ولما أمر بما هو الأولى في حالة الوجدان، أمر بمثل ذلك حالة العدم، فقال مؤكداً تنبيهاً على أنه ينبغي أن يكون الإعراض عنهم في حيز الاستبعاد والاستنكار :﴿وإما تعرضن عنهم﴾ أي عن جميع من تقدم ممن أمرت بالبذل له، لأمر اضطرك إلى ذلك لا بد لك منه، لكونك لا تجد ما تعطيه، فأعرضت حياء لا لإرادة المنع، بل ﴿ابتغاء﴾ أي طلب ﴿رحمة﴾ أي إكرام وسعة ﴿من ربك﴾ الكثير الإحسان ﴿ترجوها﴾ فإذا أتتك واسيتهم فيها ﴿فقل لهم﴾ في حالة الإعراض ﴿قولاً ميسوراً﴾ أي ذا يسر يشرح صدورهم، ويبسط رجاءهم، لأن ذلك أقرب إلى طريق المتقين المحسنين الذين أنا معهم ؛ قال أبو حيان : وروي أنه عليه الصلاة والسلام كان بعد نزول هذه الآية إذا لم يكن عنده ما يعطي وسئل قال : يرزقنا الله وإياكم من فضله - انتهى.
وقد وضع هنا الابتغاء موضع الفقر لأنه سببه، فوضع المسبب موضع السبب.
ولما أمر بالجود الذي هو لازم الكرم، نهى عن البخل الذي هو لازم اللوم، في سياق ينفر منه ومن الإسراف، فقال ممثلاً بادئاً بمثال الشح :﴿ولا تجعل يدك﴾ بالبخل ﴿مغلولة﴾ أي كأنها بالمنع مشدودة بالغل ﴿إلى عنقك﴾ لا تستطيع مدها ﴿ولا تبسطها﴾ بالبذل ﴿كل البسط﴾ فتبذر ﴿فتقعد﴾ أي توجد كالمقعد، بالقبض ﴿ملوماً﴾ أي بليغ الرسوخ فيما تلام بسببه عند الله، لأن ذلك مما نهى عنه، وعند الناس، وبالبسط ﴿محسوراً﴾ منقطعاً بك لذهاب ما تقوى به وانحساره عنك، وكل من الحالتين مجاوز لحد الاعتدال.


الصفحة التالية
Icon