قال القاضي أبو محمد : والقول الأول أبين، ويعضده العطف ب ﴿ المسكين وابن السبيل ﴾. ﴿ وابن السبيل ﴾ هنا يعم الغني والفقير إذ لكل واحد منهما حق وإن اختلفا، " وابن السبيل " في آية الصدقة أخص، و" التبذير " إنفاق المال في فساد أو في سرف في مباح، وهو من البذر، ويحتمل قوله تعالى :﴿ المبذرين ﴾ أن يكون اسم جنس، ويحتمل أن يعني أهل مكة معينين، وذكره النقاش، وقوله تعالى :﴿ إخوان ﴾ يعني أنهم في حكمهم، إذ المبذر ساع في فساد والشيطان أبداً ساع في فساد، و﴿ إخوان ﴾ جمع أخ من غير النسب، وقد يشذ، ومنه قوله تعالى في سورة النور ﴿ أو إخوانهن أو بني إخوانهن ﴾ [ النور : ٣١ ] والإخوة جمع أخ في النسب ومقد يشذ، ومنه قوله تبارك وتعالى :﴿ إنما المؤمنون إخوة ﴾ [ الحجرات : ١٠ ] وقرأ الحسن والضحاك " إخوان الشيطان " على الإفراد، وكذلك في مصحف أنس بن مالك، ثم ذكر تعالى كفر الشيطان ليقع التحذير من التشبه به في الإفساد مستوعباً بيناً، وقوله تعالى :﴿ وإما تعرض ﴾، الضمير في ﴿ عنهم ﴾ عائد على من تقدم ذكره من المساكين وبني السبيل، فأمر الله تعالى نبيه في هذه الآية إذا سأله منهم أحد، فلم يجد عنده ما يعطيه فقابله رسول الله ﷺ بالإعراض تأدباً منه في أن لا يرده تصريحاً، وانتظار الرزق من الله تعالى يأتي فيعطي منه، أن يكون يؤنسه بالقول الميسور، وهو الذي فيه الترجية بفضل الله تعالى والتأنيس بالميعاد الحسن والدعاء في توسعة الله تبارك وتعالى وعطائه، وروي أنه عليه السلام كان يقول بعد نزول هذه الآية، إذا لم يكن عنده ما يعطي : يرزقنا الله وإياكم من فضله، ف " الرحمة " على هذا التأويل الرزق المنتظر، وهذا قول ابن عباس ومجاهد وعكرمة، وقال ابن زيد " الرحمة " الأجر والثواب، وإنما نزلت الآية في قوم كانوا يسألون رسول الله ﷺ فيأبى أن يعطيهم لأنه عليه الصلاة والسلام كان


الصفحة التالية
Icon