اعلم أن الأصل في القتل هو الحرمة المغلظة، والحل إنما يثبت بسبب عارضي، فلما كان الأمر كذلك لا جرم نهى الله عن القتل مطلقاً بناء على حكم الأصل، ثم استثنى عنه الحالة التي يحصل فيها حل القتل وهو عند حصول الأسباب العرضية فقال :﴿إِلاَّ بالحق﴾ / فنفتقر ههنا إلى بيان أن الأصل في القتل التحريم، والذي يدل عليه وجوه : الأول : أن القتل ضرر والأصل في المضار الحرمة لقوله :﴿مَّا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِى الدين مِنْ حَرَجٍ﴾ [ الحج : ٧٨ ] ﴿ولا يريد بكم العسر﴾ [ البقرة : ١٨٥ ] " ولا ضرر ولا ضرار ".
الثاني : قوله عليه السلام :" الآدمي بنيان الرب ملعون من هدم بنيان الرب " الثالث : أن الآدمي خلق للاشتغال بالعبادة لقوله :﴿وَمَا خَلَقْتُ الجن والإنس إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾ [ الذاريات : ٥٦ ] ولقوله عليه السلام :" حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً " والاشتغال بالعبادة لا يتم إلا عند عدم القتل.
الرابع : أن القتل إفساد فوجب أن يحرم لقوله تعالى :﴿وَلاَ تُفْسِدُواْ﴾ [ الأعراف : ٨٥ ].
الخامس : أنه إذا تعارض دليل تحريم القتل ودليل إباحته فقد أجمعوا على أن جانب الحرمة راجح، ولولا أن مقتضى الأصل هو التحريم وإلا لكان ذلك ترجيحاً لا لمرجح وهو محال.
السادس : أنا إذا لم نعرف في الإنسان صفة من الصفات إلا مجرد كونه إنساناً عاقلاً حكمنا فيه بتحريم قتله، وما لم نعرف شيئاً زائداً على كونه إنساناً لم نحكم فيه بحل دمه، ولولا أن أصل الإنسانية يقتضي حرمة القتل، وإلا لما كان كذلك فثبت بهذه الوجوه أن الأصل في القتل هو التحريم.
وأن حله لا يثبت إلا بأسباب عرضية.


الصفحة التالية
Icon