وإذا ثبت هذا فنقول : إنه تعالى حكم بأن الأصل في القتل هو التحريم فقال :﴿وَلاَ تَقْتُلُواْ النفس التى حَرَّمَ الله إِلاَّ بالحق﴾ فقوله :﴿وَلاَ تَقْتُلُواْ﴾ نهي وتحريم، وقوله :﴿حَرَّمَ الله﴾ إعادة لذكر التحريم على سبيل التأكيد، ثم استثنى عنه الأسباب العرضية الاتفاقية فقال :﴿إِلاَّ بالحق﴾ ثم ههنا طريقان :
الطريق الأول : أن مجرد قوله :﴿إِلاَّ بالحق﴾ مجمل لأنه ليس فيه بيان أن ذلك الحق ما هو وكيف هو ؟ ثم إنه تعالى قال :﴿وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيّهِ سلطانا﴾ أي في استيفاء القصاص من القاتل، وهذا الكلام يصلح جعله بياناً لذلك المجمل، وتقريره كأنه تعالى قال :﴿وَلاَ تَقْتُلُواْ النفس التى حَرَّمَ الله إِلاَّ بالحق﴾ وذلك الحق هو أن من قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً في استيفاء القصاص.
وإذا ثبت هذا وجب أن يكون المراد من الحق هذه الصورة فقط، فصار تقدير الآية : ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا عند القصاص، وعلى هذا التقدير فتكون الآية نصاً صريحاً في تحريم القتل إلا بهذا السبب الواحد، فوجب أن يبقى على الحرمة فيما سوى هذه الصورة الواحدة.
والطريق الثاني : أن نقول : دلت السنة على أن ذلك الحق هو أحد أمور ثلاثة : وهو قوله عليه السلام :" لا يحل دم امرىء مسلم إلا بإحدى ثلاث : كفر بعد إيمان، وزنا بعد إحصان، وقتل نفس بغير حق "
واعلم أن هذا الخبر من باب الآحاد.


الصفحة التالية
Icon