فصل


قال الفخر :
﴿ وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ﴾
اعلم أن هذا هو النوع الثالث من الأشياء التي نهى الله عنها في هذه الآيات.
اعلم أنا ذكرنا أن الزنا يوجب اختلاط الأنساب.
وذلك يوجب منع الاهتمام بتربية الأولاد وذلك يوجب انقطاع النسل، وذلك يوجب المنع من دخول الناس في الوجود، وأما القتل فهو عبارة عن إعدام الناس بعد دخولهم في الوجود، فثبت أن النهي عن الزنا والنهي عن القتل يرجع حاصله إلى النهي عن إتلاف النفوس، فلما ذكر الله تعالى ذلك أتبعه بالنهي عن إتلاف الأموال، لأن أعز الأشياء بعد النفوس الأموال، وأحق الناس بالنهي عن إتلاف أموالهم هو اليتيم، لأنه لصغره وضعفه وكمال عجزه يعظم ضرره بإتلاف ماله، فلهذا السبب خصهم الله تعالى بالنهي عن إتلاف أموالهم فقال :﴿وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ اليتيم إِلاَّ بالتي هِيَ أَحْسَنُ﴾ ونظيره قوله تعالى :﴿وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بالمعروف﴾ [ النساء : ٦ ] وفي تفسير قوله :﴿إِلاَّ بالتي هِيَ أَحْسَنُ﴾ وجهان : الأول : إلا بالتصرف الذي ينميه ويكثره.
الثاني : المراد هو أن تأكل معه إذا احتجت إليه، وروى مجاهد عن ابن عباس قال : إذا احتاج أكل بالمعروف فإذا أيسر قضاه، فإن لم يوسر فلا شيء عليه.


الصفحة التالية
Icon