وحاصل القول فيه : أن مقتضى هذه الآية أن كل عقد وعهد جرى بين إنسانين فإنه يجب عليهما الوفاء بمقتضى ذلك العقد والعهد، إلا إذا دل دليل منفصل على أنه لا يجب الوفاء به فمقتضاه الحكم بصحة كل بيع وقع التراضي به وبصحة كل شركة وقع التراضي بها، ويؤكد هذا النص بسائر الآيات الدالة على الوفاء بالعهود والعقود كقوله :﴿والموفون بِعَهْدِهِمْ إِذَا عاهدوا﴾ [ البقرة : ١٧٧ ] وقوله :﴿والذين هُمْ لأماناتهم وَعَهْدِهِمْ راعون﴾ [ المؤمنون : ٨ ] وقوله :﴿وَأَحَلَّ الله البيع﴾ [ البقرة : ٢٧٥ ] وقوله :﴿لاَ تَأْكُلُواْ أموالكم بَيْنَكُمْ بالباطل إِلاَّ أَن تَكُونَ تجارة عَن تَرَاضٍ مّنْكُمْ﴾ [ النساء : ٢٩ ] وقوله :﴿وَأَشْهِدُواْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ﴾ [ البقرة : ٢٨٢ ] وقوله عليه السلام :" لا يحل مال امرىء مسلم إلا عن طيبة من نفسه " وقوله :" إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم يداً بيد " وقوله :" من اشترى شيئاً لم يره فهو بالخيار إذا رآه " فجميع هذه الآيات والأخبار دالة على أن الأصل في البيوعات والعهود والعقود الصحة ووجوب الالتزام.
إذا ثبت هذا فنقول : إن وجدنا نصاً أخص من هذه النصوص يدل على البطلان والفساد قضينا به تقديماً للخاص على العام، وإلا قضينا بالصحة في الكل، وأما تخصيص النص بالقياس فقد أبطلناه، وبهذا الطريق تصير أبواب المعاملات على طولها وأطنابها مضبوطة معلومة بهذه الآية الواحدة، ويكون المكلف آمن القلب مطمئن النفس في العمل، لأنه لما دلت هذه النصوص على صحتها فليس بعد بيان الله بيان، وتصير الشريعة مضبوطة معلومة.
ثم قال تعالى :﴿إِنَّ العهد كَانَ مسؤلا﴾ وفيه وجوه : أحدها : أن يراد صاحب العهد كان مسؤلاً فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه كقوله :﴿وَاسأَلِ القرية﴾ [ يوسف : ٨٢ ].
وثانيها : أن العهد كان مسؤلا أي مطلوباً يطلب من المعاهد أن لا يضيعه ويفي به.


الصفحة التالية
Icon