وثالثها : أن يكون هذا تخييلاً كأنه يقال للعهد لم نكثت وهلا وفي بك تبكيتاً للناكث كما يقال للموؤدة :﴿بِأَيّ ذَنبٍ قُتِلَتْ﴾ [ التكوير : ٩ ] وكقوله :﴿أأنت قُلتَ لِلنَّاسِ اتخذونى وَأُمّيَ إلهين ﴾
[ المائدة : ١١٦ ] الآية فالمخاطبة لعيسى عليه السلام والإنكار على غيره.
النوع الثاني : من الأوامر المذكورة في هذه الآية قوله :﴿وَأَوْفُوا الكيل إِذا كِلْتُمْ﴾ والمقصود منه إتمام الكيل وذكر الوعيد الشديد في نقصانه في قوله :﴿وَيْلٌ لّلْمُطَفّفِينَ * الذين إِذَا اكتالوا عَلَى الناس يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ﴾ [ المطففين : ١ ٣ ].
النوع الثالث : من الأوامر المذكورة في هذه الآية قوله :﴿وَزِنُواْ بالقسطاس المستقيم﴾ فالآية المتقدمة في إتمام الكيل، وهذه الآية في إتمام الوزن، ونظيره قوله تعالى :﴿وَأَقِيمُواْ الوزن بالقسط وَلاَ تُخْسِرُواْ الميزان﴾ [ الرحمن : ٩ ] وقوله :﴿وَلاَ تَبْخَسُواْ الناس أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِى الأرض مُفْسِدِينَ﴾ [ هود : ٨٥ ].
واعلم أن التفاوت الحاصل بسبب نقصان الكيل، والوزن قليل.
والوعيد الحاصل عليه شديد عظيم، فوجب على العاقل الاحتراز منه، وإنما عظم الوعيد فيه لأن جميع الناس محتاجون إلى المعاوضات والبيع والشراء، وقد يكون الإنسان غافلاً لا يهتدي إلى حفظ ماله، فالشارع بالغ في المنع من التطفيف والنقصان، سعياً في إبقاء الأموال على الملاك، ومنعاً من تلطيخ النفس بسرقة ذلك المقدار الحقير، والقسطاس في معنى الميزان إلا أنه في العرف أكبر منه، ولهذا اشتهر في ألسنة العامة أنه القبان.
وقيل أنه بلسان الروم أو السرياني.


الصفحة التالية
Icon