والقول الثاني : نقل عن محمد بن الحنفية أن المراد منه شهادة الزور، وقال ابن عباس : لا تشهد إلا بما رأته عيناك وسمعته أذناك ووعاه قلبك.
والقول الثالث : المراد منه : النهي عن القذف ورمي المحصنين والمحصنات بالأكاذيب، وكانت عادة العرب جارية بذلك يذكرونها في الهجاء ويبالغون فيه.
القول الرابع : المراد منه النهي عن الكذب.
قال قتادة : لا تقل سمعت ولم تسمع ورأيت ولم تر وعلمت ولم تعلم.
والقول الخامس : أن القفو هو البهت وأصله من القفا، كأنه قول يقال خلفه وهو في معنى الغيبة وهو ذكر الرجل في غيبته بما يسوءه.
وفي بعض الأخبار من قفا مسلماً بما ليس فيه حبسه الله في ردغة الخبال، واعلم أن اللفظ عام يتناول الكل فلا معنى للتقليد، والله أعلم.
المسألة الثانية :
احتج نفاة القياس بهذه الآية فقالوا : القياس لا يفيد إلا الظن والظن مغاير للعلم، فالحكم في دين الله بالقياس حكم بغير المعلوم، فوجب أن لا يجوز لقوله تعالى :﴿وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ﴾.
أجيب عنه من وجوه : الأول : أن الحكم في الدين بمجرد الظن جائز بإجماع الأمة في صور كثيرة : أحدها : أن العمل بالفتوى عمل بالظن وهو جائز.
وثانيها : العمل بالشهادة عمل بالظن وأنه جائز.
وثالثها : الاجتهاد في طلب القبلة لا يفيد إلا الظن وأنه جائز.
ورابعها : قيم المتلفات وأروش الجنايات لا سبيل إليها إلا بالظن وأنه جائز.
وخامسها : الفصد والحجامة وسائر المعالجات بناء على الظن وأنه جائز.
وسادسها : كون هذه الذبيحة ذبيحة للمسلم مظنون لا معلوم، وبناء الحكم عليه جائز.
وسابعها : قال تعالى :﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فابعثوا حَكَماً مّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مّنْ أَهْلِهَا﴾ [ النساء : ٣٥ ] وحصول ذلك الشقاق مظنون لا معلوم.


الصفحة التالية
Icon