الثاني : قال الكعبي : إن القوم لشدة امتناعهم عن قبول دلائل محمد ﷺ صاروا كأنه حصل بينهم وبين تلك الدلائل حجاب مانع وساتر، وإنما نسب الله تعالى ذلك الحجاب إلى نفسه لأنه لما خلاهم مع أنفسهم، وما منعهم عن ذلك الإعراض صارت تلك التخلية كأنها هي السبب لوقوعهم في تلك الحالة، وهذا مثل أن السيد إذا لم يراقب أحوال عبده فإذا ساءت سيرته فالسيد يقول : أنا الذي ألقيتك في هذه الحالة بسبب أني خليتك مع رأيك وما راقبت أحوالك.
الثالث : قال القفال : إنه تعالى لما خذلهم بمعنى أنه لم يفعل الألطاف الداعية لهم إلى الإيمان صح أن يقال : إنه فعل الحجاب السائر.
واعلم أن هذه الوجوه مع كلمات أخرى ذكرناها في سورة الأنعام وأجبنا عنها، فلا فائدة في الإعادة.
ثم قال تعالى :﴿وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولّوا على أدبارهم نفورا﴾ واعلم أن المراد أن القوم كانوا عند استماع القرآن على حالتين، لأنهم إذا سمعوا من القرآن ما ليس فيه ذكر الله تعالى بقوا مبهوتين متحيرين لا يفهمون منه شيئاً، وإذا سمعوا آية فيها ذكر الله تعالى وذم الشرك بالله ولوا نفوراً وتركوا ذلك المجلس، وذكر الزجاج في قوله :﴿وَلَّوْاْ على أدبارهم نُفُوراً﴾ وجهين : الأول : المصدر والمعنى ولوا نافرين نفورا، والثاني : أن يكون نفوراً جمع نافر مثل شهود وشاهد وركوع وراكع وسجود وساجد وقعود وقاعد.
ثم قال تعالى :﴿نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ﴾ أي نحن أعلم بالوجه الذي يستمعون به وهو الهزؤ والتكذيب.
و﴿بِهِ﴾ في موضع الحال، كما تقول : مستمعين بالهزؤ و ﴿إِذْ يَسْتَمِعُونَ﴾ نصب بأعلم أي أعلم وقت استماعهم بما به يستمعون ﴿وَإِذَا هُمْ نجوى﴾ أي وبما يتناجون به إذ هم ذو نجوى :﴿إِذْ يَقُولُ الظالمون﴾ بدل من قوله :{وَإِذْ هُمْ نجوى...


الصفحة التالية
Icon