قال القاضي أبو محمد : وهذا لغير داعية إليه، تكلف، وليس مثاله بمسلم، وقيل هو على جهة المبالغة كما قالوا شعر شاعر، وهذا معترض بأن المبالغة أبداً إنما تكون باسم الفاعل ومن اللفظ الأول، فلو قال حجاباً حاجباً لكان التنظير صحيحاً، وقوله ﴿ وجعلنا على قلوبهم أكنة ﴾ الآية، الأكنة جمع كنان، وهو ما غطى الشيء، ومنه كنانة النبل، و" الوقر " الثقل في الأذن المانع من السمع، وهذه كلها استعارات للإضلال الذي حفهم الله به، فعبر عن كثرة ذلك وعظمه بأنهم بمثابة من غطى قلبه وصمت أذنه، وقوله ﴿ وإذا ذكرت ﴾ الآية، يريد إذا جاءت مواضع التوحيد في القرآن أثناء قراءتك فرَّ كفار مكة من سماع ذلك إنكاراً له واستشباعاً، إذ فيه رفض آلهتهم واطراحها، وقال بعض العلماء : إن ملأ قريش دخلوا على أبي طالب يزورونه فدخل عليهم رسول الله ﷺ، فقرأ ومر بالتوحيد، ثم قال " يا معشر قيرش قولوا لا إله إلا الله تملكون بها العرب، وتدين لكم العجم "، فولوا ونفروا، فنزلت الآية، وأن تكون الآية وصف حال الفارين عنه في وقت توحيده في قراءته أبين وأجرى مع اللفظ، وقوله ﴿ نفوراً ﴾ يصح أن يكون مصدراً في موضع الحال، ويصح أن يكون جمع نافر كشاهد وشهود، لأن فعولاً من أبنية فاعل في الصفات، ونصبه على الحال، أي نافرين، وقوله ﴿ أن يفقهوه ﴾ ﴿ أن ﴾ نصب على المفعول أي " كراهة أن "، أو " منع أن "، والضمير في ﴿ يفقهوه ﴾ عائد على ﴿ القرآن ﴾، وحكى الطبري عن فرقة أنها قالت : إنما عنى بقوله :﴿ ولوا على أدبارهم نفوراً ﴾ الشياطين وأنهم يفرون من قراءة القرآن، يريد أن المعنى يدل عليهم وإن لم يجر لهم ذكر في اللفظ، وهذا نظير قول النبي ﷺ :" إذا نودي بالصلاة أدبر الشيطان له خصاص "