وقال ابن الجوزى :
﴿ وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا (٤٥) ﴾
قوله تعالى :﴿ حجاباً مستوراً ﴾ فيه ثلاثة أقوال.
أحدها : أن الحجاب : هو الأكنَّة على قلوبهم، قاله قتادة.
والثاني : أنه حجابٌ يستره فلا ترونه ؛ وقيل : إِنها نزلت في قوم كانوا يؤذون رسول الله ﷺ إِذا قرأ القرآن ؛ قال الكلبي : وهم أبو سفيان، والنضر بن الحارث، وأبو جهل، وأم جميل امرأة أبي لهب، فحجب الله رسولَه عن أبصارهم عند قراءة القرآن، فكانوا يأتونه ويمرُّون به، ولا يرونه.
والثالث : أنه مَنْعُ الله عز وجل إِياهم عن أذاه، حكاه الزجاج.
وفي معنى ﴿ مستوراً ﴾ قولان.
أحدهما : أنه بمعنى ساتر ؛ قال الزجاج : وهذا قول أهل اللغة.
قال الأخفش : وقد يكون الفاعل في لفظ المفعول، كما تقول : إِنك مشؤوم علينا، وميمون علينا، وإِنما هو شائم ويامن، لأنه مِن "شَأمَهَمُ" و"يَمَنَهُم".
والثاني : أن المعنى : حجاباً مستوراً عنكم لا ترونه، ذكره الماوردي.
وقال ابن الأنباري : إِذا قيل : الحجاب : هو الطبع على قلوبهم، فهو مستور عن الأبصار، فيكون "مستوراً" باقياً على لفظه.
قوله تعالى :﴿ وجعلنا على قلوبهم أكنَّة أن يفقهوه ﴾ قد شرحناه في [ الأنعام : ٢٥ ].
قوله تعالى :﴿ وإِذا ذَكَرْتَ ربَّك في القرآن وحده ﴾ يعني : قلتَ : لا إِله إِلا الله، وأنت تتلو القرآن ﴿ ولَّوا على أدبارهم ﴾ قال أبو عبيدة : أي : على أعقابهم، ﴿ نُفوراً ﴾ وهو : جمع نافر، بمنزلة قاعد وقُعود، وجالس وجُلوس.
وقال الزجاج : تحتمل مذهبين.
أحدهما : المصدر، فيكون المعنى : ولَّوا نافرين نفوراً.
والثاني : أن يكون "نفوراً" جمع نافر.
وفي المشار إِليهم قولان.
أحدهما : أنهم الشياطين، قاله ابن عباس.
والثاني : أنهم المشركون، وهذا مذهب ابن زيد.