وذلك لأنا قبل النظر في الدلائل والبينات نعلم بالضرورة أن وصف الله تعالى بالتوحيد والبراءة عن الشركاء والأضداد أحسن من إثبات الشركاء والأضداد، ووصفه بالقدرة على الحشر والنشر بعد الموت أحسن من وصفه بالعجز عن ذلك، وعرفهم أنه لا ينبغي لهم أن يصروا على تلك المذاهب الباطلة تعصباً للأسلاف، لأن الحامل على مثل هذا التعصب هو الشيطان، والشيطان عدو، فلا ينبغي أن يلتفت إلى قوله ثم قال لهم :﴿رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ﴾ بأن يوفقكم للإيمان والهداية والمعرفة.
وإن يشأ يمتكم، على الكفر فيعذبكم، إلا أن تلك المشيئة غائبة عنكم فاجتهدوا أنتم في طلب الدين الحق، ولا تصروا على الباطل والجهل لئلا تصيروا محرومين عن السعادات الأبدية والخيرات السرمدية، ثم قال لمحمد ﷺ :﴿وَمَا أرسلناك عَلَيْهِمْ وَكِيلاً﴾ أي لا تشدد الأمر عليهم ولا تغلظ لهم في القول، والمقصود من كل هذه الكلمات : إظهار اللين والرفق لهم عند الدعوة فإن ذلك هو الذي يؤثر في القلب ويفيد حصول المقصود.
ثم قال :﴿وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السموات والأرض﴾ والمعنى أنه لما قال قبل ذلك :﴿رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ﴾ قال بعده :﴿رَبَّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السموات والأرض﴾ بمعنى أن علمه غير مقصور عليكم ولا على أحوالكم بل علمه متعلق بجميع الموجودات والمعدومات ومتعلق بجميع ذوات الأرضين والسموات فيعلم حال كل واحد ويعلم ما يليق به من المصالح والمفاسد، فلهذا السبب فضل بعض النبيين على بعض وآتى موسى التوراة وداود الزبور وعيسى الإنجيل، فلم يبعد أيضاً أن يؤتي محمداً القرآن ولم يبعد أن يفضله على جميع الخلق.
فإن قيل : ما السبب في تخصيص داود عليه الصلاة والسلام في هذا المقام بالذكر ؟.
قلنا : فيه وجوه :
الوجه الأول : أنه تعالى ذكر أنه فضل بعض النبيين على بعض.