وقال ابن عطية :
قوله تعالى :﴿ قل كونوا حجارة أو حديداً ﴾ الآية،
المعنى : قل لهم يا محمد كونوا إن استطعتم هذه الأشياء الصعبة الممتنعة التأتي، لا بد من بعثكم، وقوله ﴿ كونوا ﴾ هو الذي يسميه المتكلمون التعجيز من أنواع لفظة افعل، وبهذه الآية مثل بعضهم، وفي هذا عندي نظر : وإنما التعجيز حيث يقتضي بالأمر فعل ما لا يقدر عليه المخاطب، كقوله تعالى :﴿ فادرؤوا عن أنفسكم الموت ﴾ [ آل عمران : ١٦٨ ]، ونحوه، وأما هذه الآية، فمعناها : كونوا بالتوهم والتقدير كذا وكذا، الذي فطركم كذلك، هو يعيدكم، وقال مجاهد أراد ب " الخلق "، الذي يكبر في الصدور : السماوات والأرض والجبال، وقال ابن عمر وابن عباس وعبد الله بن عمرو والحسن وابن جبير والضحاك : أراد الموت، وقال قتادة ومجاهد : بل أحال على فكرتهم عموماً، ورجحه الطبري، وهذا هو الأصح، لأنه بدأ بشيء صلب، ثم تدرج القول إلى أقوى منه، ثم أحال على فكرهم، إن شاؤوا في أشد من الحديد، فلا وجه لتخصيص شيء دون شيء، ثم احتج عليهم عز وجل في الإعادة بالفطرة الأولى، من حيث خلقهم، واخترعهم من تراب، فكذلك يعيدهم إذا شاء، لا رب غيره، وقوله ﴿ فسينغضون ﴾ معناه : يرفعون ويخفضون يريد على جهة التكذيب، قال ابن عباس : والاستهزاء.
قال الزجاج : تحريك من يبطل الشيء ويستبطئه، ومنه قول الشاعر :[ الرجز ]
أنغض نحوي رأسه وأقنعا... كأنما أبصر شيئاً أطمعا
ويقال نغضت السنّ إذا تحركت وقال ذو الرمة :[ الطويل ]
ظعائن لم يسكن أكناف قرية... بسيف ولم تنغض بهن القناطر
قال الطبري وابن سلام و﴿ عسى ﴾ من الله واجبة والمعنى : وهو قريب.
قال القاضي أبو محمد : وهذه إنما هي من النبي عليه السلام، ولكنها بأمر الله، فيقربها ذلك من الوجوب، وكذلك قال عليه السلام " بعثت أنا والساعة كهاتين "، وفي ضمن اللفظ توعد لهم.
﴿ يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ ﴾