ويجيء قوله بعد ذلك ﴿ إن الشيطان ينزع بينهم ﴾ غير مناسب للمعنى، إلا على تكره، بأن يجعل ﴿ بينهم ﴾ بمعنى خلالهم، وأثناءهم، ويجعل النزع بمعنى الوسوسة والإضلال، وقال الجمهور :﴿ التي هي أحسن ﴾ هي المحاورة الحسنى بحسب معنى قال الحسن : يقول : يغفر الله لك، يرحمك الله، وقوله ﴿ لعبادي ﴾ خاص بالمؤمنين، فكأن الآية بمعنى قوله عليه السلام، " وكونوا عباد الله إخواناً " ثم اختلفوا، فقالت فرقة : أمر الله المؤمنين فيما بينهم بحسن الأدب، وخفض الجناح، وإلانة القول، واطراح نزغات الشيطان، وقالت فرقة : إنما أمر الله في هذه الآية المؤمنين بالإنة القول للمشركين بمكة، أيام المهادنة، وسبب الآية : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه شتمه بعض الكفرة، فسبه عمر وهم بقتله، فكاد أن يثير فتنة، فنزلت الآية وهي منسوخة بآية السيف، وقرأ الجمهور :" ينزَغ " بفتح الزاي، وقرأ طلحة بن مصرف :" ينزغ "، بكسر الزاي على الأصل قال أبو حاتم : لعلها لغة، والقراءة بالفتح، ومعنى النزغ : حركة الشيطان بسرعة ليوجب فساداً، ومنه قول النبي عليه السلام " لا يشر أحدكم على أخيه بالسلاح لا ينزع الشيطان في يده " فهذا يخرج اللفظة عن الوسوسة، و" عداوة الشيطان البينة " هي قصته مع آدم عليه السلام فما بعد، وقوله تعالى :﴿ ربكم أعلم بكم ﴾ الآية، هذه الآية تقوي أن التي قبلها هي ما بين العباد المؤمنين وكفار مكة ؛ وذلك أن هذه المخاطبة في قوله ﴿ ربكم أعلم بكم ﴾ هي لكفار مكة بدليل قوله ﴿ وما أرسلناك عليهم وكيلاً ﴾ فكأن الله عز وجل أمر المؤمنين أن لا يخاشنوا الكفار في الدين ثم قال للكفار إنه أعلم بهم، ورجاهم وخوفهم، ومعنى ﴿ يرحمكم ﴾ بالتوبة عليكم من الكفر، قاله ابن جريج وغيره، ثم قال النبي ﷺ : فإنما عليك البلاغ، ولست بوكيل على إيمانهم ولا بد، فتتناسب الآيات بهذا التأويل ثم قال تبارك وتعالى لنبيه عليه


الصفحة التالية
Icon