وقوله :﴿ إن الشيطان ينزغ بينهم ﴾ اعتراض بمعنى يلقي بينهم الفساد ويغري بعضهم على بعض ليقع بينهم المشارّة والمشاقة.
وقال أبو عبد الله الرازي ما ملخصه : إذا أردتم الحجة على المخالف فاذكروها بالطريق الأحسن وهو أن لا يخلط بالسب كقوله ﴿ ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن ﴾ ﴿ ولا تجادلوا أهل الكتاب إلاّ بالتي هي أحسن ﴾ وخلط الحجة بالسب سبب للمقابلة بمثله، وتنفير عن حصول المقصود من إظهار الحجة وتأثيرها، ثم نبه على هذا الطريق بقوله :﴿ إن الشيطان ينزغ بينهم ﴾ جامعاً للفريقين أي متى امتزجت الحجة بالإيذاء كانت الفتنة انتهى.
وقرأ طلحة ﴿ ينزغ ﴾ بكسر الزاي.
قال أبو حاتم : لعلها لغة والقراءة بالفتح.
وقال صاحب اللوامح : هي لغة.
وقال الزمخشري : هما لغتان نحو يعرشون ويعرشون انتهى.
ولو مثل بينطح وينطح كان أنسب وبين تعالى سبب النزغ وهي العداوة القائمة لأبيهم آدم قبلهم وقوله ﴿ ثم لآتينهم من بين أيديهم ﴾ الآية وغيرها من الآيات الدالة على تسلطه على الإنسان وابتغاء الغوائل المهلكة له.
والخطاب بقوله ﴿ ربكم ﴾ إن كان للمؤمنين فالرحمة الإنجاء من كفار مكة وأذاهم والتعذيب تسليطهم عليهم.
﴿ وما أرسلناك عليهم ﴾ أي على الكفار حافظاً وكفيلاً فاشتغل أنت بالدعوة وإنما هدايتهم إلى الله.
وقيل :﴿ يرحمكم ﴾ بالهداية إلى التوفيق والأعمال الصالحة، وإن شاء عذبكم بالخذلان وإن كان الخطاب للكفار فقال يقابل يرحمكم الله بالهداية إلى الإيمان ويعذبكم يميتكم على الكفر.
وذكر أبو سليمان الدمشقي لما نزل القحط بالمشركين قالوا ﴿ ربنا اكشف عنا العذاب إنّا مؤمنون ﴾ فقال الله ﴿ ربكم أعلم بكم ﴾ بالذي يؤمن من الذي لا يؤمن ﴿ إن يشأ يرحمكم ﴾ فيكشف القحط عنكم ﴿ أو إن يشأ يعذبكم ﴾ فيتركه عليكم.