وقال ابن عاشور :
﴿ قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا (٥٠) ﴾
جواب عن قولهم :﴿ أئذا كنا عظاماً ورفاتاً أئنا لمبعوثون خلقاً جديداً ﴾ [ الإسراء : ٤٩ ].
أمر الله رسوله بأن يجيبهم بذلك.
وقرينة ذلك مقابلةُ فعل ﴿ كنا ﴾ [ الإسراء : ٤٩ ] في مقالهم بقوله :﴿ كونوا ﴾، ومقابلة ﴿ عظاماً ورفاتاً ﴾ في مقالهم بقوله :﴿ حجارة أو حديداً ﴾ الخ، مقابلة أجسام واهية بأجسام صُلبة.
ومعنى الجواب أن وهن الجسم مساوٍ لصلابته بالنسبة إلى قدرة الله تعالى على تكييفه كيف يشاء.
لهذا كانت جملة ﴿ قل كونوا حجارة ﴾ الخ غير معطوفة، جرْياً على طريقة المحاورات التي بينتُها عند قوله تعالى :﴿ قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ﴾ في سورة [ البقرة : ٣٠ ].
وإن كان قوله :﴿ قل ﴾ ليسَ مبدأ محاورة بل المحاورة بالمقول الذي بعده ؛ ولكن الأمر بالجواب أعطي حكم الجواب فلذلك فصلت جملة ﴿ قل ﴾.
واعلم أن ارتباطَ رد مقالتهم بقوله :﴿ كونوا حجارة ﴾ الخ غامض، لأنهم إنما استبعدوا أو أحالوا إرجاعَ الحياة إلى أجسام تَفرّقت أجزاؤُها وانخرم هيكلها، ولم يعللوا الإحالة بأنها صارت أجساماً ضعيفة، فيرد عليهم بأنها لو كانت من أقوى الأجسام لأعيدت لها الحياة.
فبنا أن نبين وجه الارتباط بين الرد على مقالتهم وبين مقالتهم المردودة، وفي ذلك ثلاثة وجوه:
أحدها : أن تكون صيغة الأمر في قوله :﴿ كونوا ﴾ مستعملة في معنى التسوية، ويكون دليلاً على جواببٍ محذوف تقديره : إنكم مبعوثون سَواء كنتم عظاماً ورُفاتاً أو كنتم حجارة أو حديداً، تنبيهاً على أن قدرة الله تعالى لا يتعاصى عليها شيء.
وذلك إدماج يجعل الجملة في معنى التذييل.
الوجه الثاني : أن تكون صيغة الأمر في قوله :﴿ كونوا ﴾ مستعملة في الفرض، أي لو فُرض أن يكون الأجساد من الأجسام الصلبة وقيل لكم : إنكم مبعوثون بعد الموت لأحلتم ذلك واستبعدتم إعادة الحياة فيها.


الصفحة التالية
Icon