وهذه الجملة بمنزلة المقدمة لما بعدها وهي جملة ﴿ إن يشأ يرحمكم ﴾ الآية، أي هو أعلم بما يناسب حال كل أحد من استحقاق الرحمة واستحقاق العذاب.
ومعنى ﴿ أعلم بكم ﴾ أعلم بحالكم، لأن الحالة هي المناسبة لتعلق العلم.
فجملة ﴿ إن يشأ يرحمكم أو إن يشأ يعذبكم ﴾ مبينة للمقصود من جملة ﴿ ربكم أعلم بكم ﴾.
والرحمة والتعذيب مكنًى بهما عن الاهتداء والضلال، بقرينة مقارنته لقوله :﴿ ربكم أعلم بكم ﴾ الذي هو كالمقدمة.
وسلك سبيل الكناية بهما لإفادة فائدتين : صريحهما وكنايتهما، ولإظهار أنه لا يسأل عما يَفعل، لأنه أعلم بما يليق بأحوال مخلوقاته.
فلما ناط الرحمة بأسبابها والعذابَ بأسبابه، بحكمته وعدله، عُلم أن معنى مشيئته الرحمة أو التعذيب هو مشيئة إيجاد أسبابهما، وفعل الشرط محذوف.
والتقدير : إن يشأ رحمتَكم يرحمْكم أو إن يشأ تعذيبَكم يعذبْكم، على حكم حذف مفعول فعل المشيئة في الاستعمال.
وجيء بالعطف بحرف ( أو ) الدالة على أحد الشيئين لأن الرحمة والتعذيب لا يجتمعان ف ( أو ) للتقسيم.
وذكر شرط المشيئة هنا فائدته التعليم بأنه تعالى لا مكره له، فجمعت الآية الإشارة إلى صفة العلم والحكمة وإلى صفة الإرادة والاختيار.
وإعادةُ شرط المشيئة في الجملة المعطوفة لتأكيد تسلط المشيئة على الحالتين.
وجملة ﴿ وما أرسلناك عليهم وكيلاً ﴾ زيادة لبيان أن الهداية والضلال من جعل الله تعالى، وأن النبي غير مسؤول عن استمرار من استمر في الضلالة.
إزالة للحرج عنه فيما يجده من عدم اهتداء من يدعوهم، أي ما أرسلناك لتجبرهم على الإيمان وإنما أرسلناك داعياً.
والوكيل على الشيء : هو المسؤول به.
والمعنى : أرسلناك نذيراً وداعياً لهم وما أرسلناك عليهم وكيلاً، فيفيد معنى القصر لأن كونه داعياً ونذيراً معلوم بالمُشاهدة فإذا نفي عنه أن يكون وكيلاً وملجئاً آل إلى معنى : ما أنت إلا نذير.