وقوله :﴿ بحمده ﴾ حال منهم أي حامدين وهي مبالغة في انقيادهم للبعث كقولك لمن تأمره بأمر يشق عليه : ستأتي به وأنت حامد شاكر أي متهيء إلى حالة تحمد الله وتشكره على أن اكتفي منك بذلك العمل، وهذا يذكر في معرض التهديد. وقال سعيد بن جبير :﴿ يخرجون من قبورهم وينفضون التراب عن رؤوسهم ويقولون : سبحانك اللَهم وبحمدك. وقال قتادة : بحمده أي بمعرفته وطاعته لأن التسبيح والتحميد معرفة وطاعة ومن هنا قال بعضهم : حمدوا حين لا ينفعهم الحمد. وقال آخرون : الخطاب مختص بالمؤمنين لأنهم الذين يليق بهم الحمد لله على إحسانه إليهم { وتظنون إن لبثتم إلاَّ قليلاً ﴾ عن قتادة : تحاقرت الدنيا في أنفسهم حين عاينوا الآخرة ومثله قول الحسن : معناه تقريب وقت البعث وكأنك بالدنيا لم تكن وبالآخرة لم تزل. وقال ابن عباس : يريد ما بين النفختين الأولى والثانية فإنه يزول عنهم هول العذاب في ذلك الوقت. وقيل : أراد استقصار لبثهم في عرصة القيامة حين عاينوا هول النار. ثم أمر المؤمنين بالرفق والتدريج عند إيراد الحجة على المخالفين فقال :﴿ وقل لعبادي ﴾ أي المؤمنين لأن لفظ العباد يختص بهم في أكثر القرآن ﴿ فبشر عبادي الذين يستمعون القول ﴾ [ الزمر : ١٧ ] ﴿ عيناً يشرب بها عباد الله ﴾ [ الدهر : ٦ ] ﴿ فادخل في عبادي ﴾ [ البقرة : ٢٩ ]، ﴿ يقولوا ﴾ الكلمة أو الحجة ﴿ التي هي أحسن ﴾ وألين وهي أن لا تكون مخلوطة بالسب واللعن والغلظة. ثم نبه على وجه المنفعة بهذا الطريق فقال :﴿ إن الشيطان ينزغ بينهم ﴾ أي بين الفريقين جميعاً فيزداد الغضب وتتكامل النفرة ويمتنع حصول المقصود. ثم قال :﴿ ربكم أعلم بكم أن يشأ يرحمكم ﴾ أيها المؤمنون بالإنجاء من كفار مكة إيذائهم ﴿ أو إن يشأ يعذبكم ﴾ بتسليطهم عليكم ﴿ وما أرسلناك ﴾ يا محمد عليهم وكيلاً أي حافظاً موكولاً إليك أمرهم إنما أنت بشير ونذير.
والهداية إلى الله.


الصفحة التالية
Icon