ولما كان المراد المؤمنين خاصة وإن كان خطاباً للمجموع، خص المشركين كذلك فقال :﴿وإذا﴾ أي فإذا نعمكم بأنواع الخير كنتم على إشراككم به سبحانه، وإذا ﴿مسكم﴾ ولم يقل : أمسكم - بالإسناد إلى نفسه، تأديباً لنا في مخاطبته بنسبة الخير دون الشر إليه، مع اعتقاده أن الكل فعله، وتنبيهاً على أن الشر مما ينبغي التبرؤ منه والبعد عنه ﴿الضر في البحر﴾ من هيج الماء واغتلامه لعصوف الريح وطمو الأمواج ﴿ضل﴾ أي ذهب وبطل عن ذكركم وخواطركم ﴿من تدعون﴾ من الموجودات كلها ﴿إلا إياه﴾ وحده، فأخلصتم له الدعاء علماً منكم أنه لا ينجيكم سواه ﴿فلما نجّاكم﴾ من الغرق وأوصلكم بالتدريج ﴿إلى البر أعرضتم﴾ عن الإخلاص له ورجعتم إلى الإشراك ﴿وكان الإنسان﴾ أي هذا النوع ﴿كفوراً﴾ أي بليغ التغطية لما حقه أن يشهر، فأظهر في موضع الإضمار تنبيهاً على أن هذا الوصف لا يخصهم، بل يعم هذا النوع لطبعه على النقائص إلا من أخلصه الله له.
ولما كان التقدير : أعرضتم بعد إذ أنجاكم فكفرتم بذلك وكان الكفر وصفاً لكم لازماً، فتسبب عن ذلك أنكم أمنتم، أي فعلتم بذلك فعل الآمن، أنكر عليهم هذا الأمر لكونه من أجهل الجهل فقال تعالى :﴿أفأمنتم﴾ أي أنجوتم من البحر فأمنتم بعد خروجكم منه ﴿أن نخسف﴾ أي بما لنا من العظمة ﴿بكم﴾ ودل على شدة إسراعهم بالكفر عند وصولهم إلى أول الساحل بقوله تعالى :﴿جانب البر﴾ أي فنغيبكم فيه في أيّ جانب كان منه، لأن قدرتنا على التغييب في التراب في جميع الجوانب كقدرتنا على التغييب في الماء سواء، فعلى العاقل أن يستوي خوفه من الله في جميع الجوانب ﴿أو﴾ أمنتم إن غلظت أكبادكم عن تأمل مثل هذا أن ﴿يرسل عليكم﴾ من جهة الفوق شيئاً من أمرنا ﴿حاصباً﴾ أي يرمي بالحصباء، أي بالحصى الصغار - قاله الرازي في اللوامع، وقال الرماني : حجارة يحصب بها، أي يرمي بها، حصبه - إذا رماه رمياً متتابعاً - انتهى.


الصفحة التالية
Icon