وجوز غير واحد أن يكون المعنى ضل من تدعونه عن إغاثتكم إلا إياه تعالى، والضلال فيه إما بمعنى الغيبة أو بمعنى عدم الاهتداء منه كأنه قيل ضل عن حجة الصواب في انقاذكم ولم يقدر على ذلك، وأمر الاستثناء من الاتصال والانقطاع ومبنى كل على حاله، والزمخشري جوز أن يكون المعنى ضل من تدعون من الآلهة عن إغاثتكم ولكن الله تعالى هو الذي ترجونه وجعل الاستثناء عليه منقطعاً فقيل إن ذلك لتخصيصه المدعوين بالآلهة.
وفي "الكشف" لعل الوجه فيه أنه تعالى ما كانوا يدعونه أي دعاء العبادة واللجأ إلا في تلك الحالة وأما في حالة السراء فيخصون آلهتهم بالدعاء، والتحقيق أن الضلال بهذا المعنى لم يتناول الحق سبحانه لأن معناه ضل المدعوون وغابوا عن إغاثتهم ولا يراد غابوا وحضر جل وعلا بل المراد ولكن رجوا أن يغيثهم ولا يخذلهم فعل المدعوين على حسبانهم وهذا هو الوجه إن شاء الله تعالى اه.
ومبني التحقيق لا يخفى على المتدرب في علم النحو، هذا ومن اللطائف أن بعض الناس قال لبعض الأئمة : أثبت لي وجود الله تعالى ولا تذكر لي الجوهر والعرض فاقل له : هل ركبت البحر؟ قال : نعم قال : فهل عصفت الريح؟ قال : نعم قال : فهل أشرفت بك السفينة على الغرق؟ قال : نعم قال : فهل عصفت الريح؟ قال : نعم قال : فهل أشرفت بك السفينة على الغرق؟ قال : نعم قال : فهل يئست من نفع من في السفينة ونحوهم من المخلوقين لك وإنجائهم مما أنت فيه إياك؟ قال : نعم قال : فهل بقى قلبك متعلقاً بشيء غير أولئك؟ قال : نعم قال : ذلك هو الله عز وجل فاستحس ذلك.
﴿ فَلَمَّا ﴾ من الضر وأوصلكم ﴿ نجاكم إِلَى البر أَعْرَضْتُمْ ﴾ عن ذكره تعالى بعد أن كنتم غير ذاكرين إلا إياه سبحانه أو أعرضتم عن توحيده جل وعلا أو عن شكره عز وجل بتوحيده وطاعته سبحانه أو توغلتم في التوسع في كفران النعمة على أنه من العرض مقابل الطول وجعل كناية عن ذلك كما في قول ذي الرمة :
عطاء فتى تمكن في المعالي...


الصفحة التالية
Icon