وقال ابن عاشور :
﴿ رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (٦٦) ﴾
استئناف ابتدائي وهو عوْد إلى تقرير أدلة الانفراد بالتصريف في العالم المشوبة بما فيها من نعم على الخلق، والدالة بذلك الشوب على إتقان الصنع ومحكم التدبير لنظام هذا العالم وسيادة الإنسان فيه وعليه.
ويشبه أن يكون هذا الكلام عوداً إلى قوله :﴿ ويدعُ الإنسان بالشر دعاءه بالخير ﴾ [ الإسراء : ١١ ] كما تقدم هناك فراجعه.
فلما جرى الكلام على الإنذار والتحذير أعقب هنا بالاستدلال على صحة الإنذار والتحذير.
والخطاب لجماعة المشركين كما يقتضيه قوله عقبه :﴿ فلما نجاكم إلى البر أعرضتم ﴾ [ الإسراء : ٦٧ ]، أي أعرضتم عن دعائه ودعوتم الأصنام، وقولُه :﴿ ضل من تدعون إلا إياه ﴾ [ الإسراء : ٦٧ ].
وافتتحت الجملة بالمسند إليه معرفاً بالإضافة ومستحضراً بصفة الربوبية لاستدعاء إقبال السامعين على الخبر المؤذن بأهميته حيث افتتح بما يترقب منه خبر عظيم لكونه من شؤون الإله الحق وخالق الخلق ومدبر شؤونهم تدبير اللطيف الرحيم، فيوجب إقبال السامع بِشَرَاشِرِه إن مؤمناً متذكراً أو مشركاً ناظراً متدبراً.
وجيء بالجملة الإسمية لدلالتها على الدوام والثبات.
وبتعريف طرفيها للدلالة على الانحصار، أي ربكم هو الذي يزجي لكم الفلك لا غيرُه ممن تعبدونه باطلاً وهو الذي لا يزال يفعل ذلك لكم.
وجيء بالصلة فعلاً مضارعاً للدلالة على تكرر ذلك وتحدده.
فحصلت في هذه الجملة على إيجازها معان جمة خصوصية.
وفي ذلك حد الإعجاز.
ويُزجي : يسوق سوقاً بطيئاً شبه تسخير الفلك للسير في الماء بإزجاء الدابة المثقلة بالحمل.
والفلُك هنا جمع لا مفرد.
والبحر : الماء الكثير فيشمل الأنهار كالفرات والدجلة، وتقدم عند قوله تعالى :﴿ والفلك التي تجري في البحر ﴾ في سورة [ البقرة : ١٦٤ ].
والابتغاء : الطلب.


الصفحة التالية
Icon