والثاني : أن هذه العبادات لا فائدة فيها للعابد والمعبود فكانت عبثاً محضاً فبهذين الطريقين يقرر الشيطان عند الإنسان أنه لا فائدة فيها، وإذا فرغ عن هذا المقام قال إنها توجب التعب والمحنة وذلك أعظم المضار، فهذه مجامع تلبيس الشيطان، فقوله :﴿وَعِدهم﴾ يتناول كل هذه الأقسام، قال المفسرون قوله :﴿وَعدهم﴾ أي بأنه لا جنة ولا نار، وقال آخرون :﴿وَعِدهم﴾ بتسويف التوبة، وقال آخرون ﴿وَعِدهم﴾ بالأماني الباطلة مثل قوله لآدم :
﴿مَا نهاكما رَبُّكُمَا عَنْ هذه الشجرة إِلا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الخالدين﴾ [ الأعراف : ٢٠ ] وقال آخرون : وعدهم بشفاعة الأصنام عند الله تعالى وبالأنساب الشريفة وإيثار العاجل على الآجل، وبالجملة فهذه الأقسام كثيرة وكلها داخلة في الضبط الذي ذكرناه وإن أردت الاستقصاء في هذا الباب فطالع كتاب ذم الغرور من كتاب إحياء علوم الدين للشيخ الغزالي حتى يحيط عقلك بمجامع تلبيس إبليس، واعلم أن الله تعالى لما قال :﴿وَعِدهم﴾ أردفه بما يكون زاجراً عن قبول وعده فقال :﴿وَمَا يَعِدُهُمْ الشيطان إِلاَّ غُرُوراً﴾ والسبب فيه أنه إنما يدعو إلى أحد أمور ثلاثة قضاء الشهوة وإمضاء الغضب وطلب الرياسة وعلو الدرجة ولا يدعو ألبتة إلى معرفة الله تعالى ولا إلى خدمته، وتلك الأشياء الثلاثة معنوية من وجوه كثيرة.
أحدها : أنها في الحقيقة ليست لذات بل هي خلاص عن الآلام.
وثانيها : وإن كانت لذات لكنها لذات خسيسة مشترك فيها بين الكلاب والديدان والخنافس وغيرها.
وثالثها : أنها سريعة الذهاب والانقضاء والانقراض.
ورابعها : أنها لا تحصل إلا بمتاعب كثيرة ومشاق عظيمة.
وخامسها : أن لذات البطن والفرج لا تتم إلا بمزاولة رطوبات عفنة مستقذرة.
وسادسها : أنها غير باقية بل يتبعها الموت والهرم والفقر والحسرة على الفوت والخوف من الموت.