وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ وَإِذْ قُلْنَا للملائكة اسجدوا لآدَمَ ﴾
تقدّم ذكر كَوْنِ الشيطان عدوّ الإنسان، فانجرّ الكلام إلى ذكر آدم.
والمعنى : اذكر بتمادي هؤلاء المشركين وعتوّهم على ربهم قصة إبليس حين عصى ربه وأبَى السجود، وقال ما قال، وهو ما أخبر الله تعالى في قوله تعالى :﴿ فَسَجَدُواْ إَلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً ﴾ أي من طين.
وهذا استفهام إنكار.
وقد تقدّم القول في خلق آدم في "البقرة، والأنعام" مستوفًى.
﴿ قَالَ أَرَأَيْتَكَ ﴾ أي قال إبليس.
والكاف توكيد للمخاطبة.
﴿ هذا الذي كَرَّمْتَ عَلَيَّ ﴾ أي فضّلته عليّ.
ورأى جوهر النار خيراً من جوهر الطين ولم يعلم أن الجواهر متماثلة.
وقد تقدّم هذا في الأعراف.
و"هذا" نصب بأرأيت.
"الذي" نعته.
والإكرام : اسم جامع لكل ما يحمد.
وفي الكلام حذف تقديره : أخبرني عن هذا الذي فضلته عليّ، لم فضلته وقد خلقتني من نار وخلقته من طين؟ فحذف لعلم السامع.
وقيل : لا حاجة إلى تقدير الحذف، أي أترى هذا الذي كرمته عليّ لأفعلن به كذا وكذا.
ومعنى ﴿ لأَحْتَنِكَنَّ ﴾ في قول ابن عباس : لأستولِيَنّ عليهم.
وقاله الفراء.
مجاهد : لأحتوِيَنّهم.
ابن زيد : لأضلنهم.
والمعنى متقارب، أي لأستأصلنّ ذريته بالإغواء والإضلال، ولأجتاحنّهم.
وروي عن العرب : احْتَنَك الجراد الزرع إذا ذهب به كلّه.
وقيل : معناه لأسوقنهم حيث شئت وأقودَنّهم حيث أردت.
من قولهم : حنكت الفرس أحنِكه وأحنُكه حنكا إذا جعلت في فيه الرّسن.
وكذلك احتنكه.
والقول الأوّل قريب من هذا، لأنه إنما يأتي على الزرع بالحَنَك.
وقال الشاعر :
أشكو إليك سَنَةً قد أجحفت...
جهدا إلى جهدٍ بنا وأضعفت
واحتنكت أموالنا واجتلفت...