وهي التي يتجلى فيها نور معرفة الله تعالى ويشرق فيها ضوء كبريائه وهو الذي يطلع على أسرار عالمي الخلق والأمر ويحيط بأقسام مخلوقات الله من الأرواح والأجسام كما هي وهذه القوة من تلقيح الجواهر القدسية والأرواح المجردة الإلهية، فهذه القوة لا نسبة لها في الشرف والفضل إلى تلك القوى النباتية والحيوانية، وإذا كان الأمر كذلك ظهر أن النفس الإنسانية أشرف النفوس الموجودة في هذا العالم وإن أردت أن تعرف فضائل القوة العقلية ونقصانات القوى الجسمية، فتأمل ما كتبناه في هذا الكتاب في تفسير قوله تعالى :﴿الله نُورُ السموات والأرض﴾ [ النور : ٣٥ ] فإنا ذكرنا هناك عشرين وجهاً في بيان أن القوة العقلية أجل وأعلى من القوة الجسمية فلا فائدة في الإعادة، وأما بيان أن البدن الإنساني أشرف أجسام هذا العالم، فالمفسرون إنما ذكروا في تفسير قوله تعالى :﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى ءادَمَ﴾ هذا النوع من الفضائل وذكروا أشياء، أحدها : روى ميمون بن مهران عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله :﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى ءادَمَ﴾ قال : كل شيء يأكل بفيه إلا ابن آدم فإنه يأكل بيديه.
وقيل : إن الرشيد أحضرت عنده أطعمة فدعا بالملاعق وعنده أبو يوسف، فقال له : جاء في التفسير عن جدك في قوله تعالى :﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى ءادَمَ﴾ جعلنا لهم أصابع يأكلون بها فرد الملاعق وأكل بأصابعه.
وثانيها : قال الضحاك : بالنطق والتمييز وتحقيق الكلام أن من عرف شيئاً، فأما أن يعجز عن تعريف غيره كونه عارفاً بذلك الشيء أو يقدر على هذا التعريف.
أما القسم الأول : فهو حال جملة الحيوانات سوى الإنسان، فإنه إذا حصل في باطنها ألم أو لذة فإنها تعجز عن تعريف غيرها تلك الأحوال تعريفاً تاماً وافيا.