فصل
قال الفخر :
﴿ وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (٧٣) ﴾
اعلم أنه تعالى لما عدد في الآيات المتقدمة أقسام نعمه على خلقه وأتبعها بذكر درجات الخلق في الآخرة وشرح أحوال السعداء أردفه بما يجري مجرى تحذير السعداء من الاغترار بوساوس أرباب الضلال والانخداع بكلامهم المشتمل على المكر والتلبيس فقال :﴿وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الذى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ﴾ وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى :
قال ابن عباس في رواية عطاء نزلت هذه الآية في وفد ثقيف أتوا رسول الله ﷺ فسألوه شططاً، وقالوا متعنا باللات سنة وحرم وادينا كما حرمت مكة شجرها وطيرها ووحشها فأبى ذلك رسول الله ﷺ ولم يجبهم فكرروا ذلك الالتماس، وقالوا إنا نحب أن تعرف العرب فضلنا عليهم، فإن كرهت ما نقول وخشيت أن تقول العرب أعطيتهم ما لم تعطنا، فقل : الله أمرني بذلك فأمسك رسول الله ﷺ عنهم وداخلهم الطمع، فصاح عليهم عمر وقال : أما ترون رسول الله ﷺ قد أمسك عن الكلام كراهية لما تذكرونه ؟ فأنزل الله هذه الآية، وروى صاحب "الكشاف" أنهم جاءوا بكاتبهم فكتب : بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد رسول الله إلى ثقيف لا يعشرون ولا يحشرون، فقالوا ولا يجبون، فسكت رسول الله، ثم قالوا للكاتب : اكتب ولا يجبون والكاتب ينظر إلى رسول الله ﷺ فقام عمر بن الخطاب وسل سيفه، وقال : أسعرتم قلب نبينا يا معشر قريش، أسعر الله قلوبكم ناراً.
فقالوا لسنا نكلمك إنما نكلم محمداً، فنزلت هذه الآية واعلم أن هذه القصة إنما وقعت بالمدينة فلهذا السبب قالوا إن هذه الآيات مدنية.
وروى أن قريشاً قالوا له : اجعل آية رحمة آية عذاب وآية عذاب آية رحمة، حتى نؤمن بك.