فنزلت هذه الآية وقال الحسن : الكفار أخذوا رسول الله ﷺ ليلة بمكة قبل الهجرة فقالوا : كف يا محمد عن ذم آلهتنا وشتمها فلو كان ذلك حقاً كان فلان وفلان بهذا الأمر أحق منك فوقع في قلب رسول الله ﷺ أن يكف عن شتم آلهتهم.
وعلى هذا التقدير فهذه الآية مكية، وعن سعيد بن جبير أنه عليه السلام كان يستلم الحجر فتمنعه قريش ويقولون لا ندعك حتى تستلم آلهتنا (١) فوقع في نفسه أن يفعل ذلك مع كراهية، فنزلت هذه الآية.
المسألة الثانية :
قال الزجاج معنى الكلام كادوا يفتنونك ودخلت إن واللام للتأكيد وإن مخففة من الثقيلة واللام هي الفارقة بينها وبين النافية، والمعنى إن الشأن ( أنهم ) قاربوا أن يفتنوك أي يخدعوك فاتنين ( و ) أصل الفتنة الاختبار يقال فتن الصائغ الذهب إذا أدخله النار وأذابه لتميز جيده من رديئه ثم استعملوه في كل من أزال الشيء عن حده وجهته فقالوا فتنه فقوله :﴿وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الذى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ﴾ أي يزيلونك ويصرفونك عن الذي أوحينا إليك يعني القرآن، والمعنى عن حكمة وذلك لأن في إعطائهم ما سألوه مخالفة لحكم القرآن، وقوله :﴿لِتفْتَرِىَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ﴾ أي غير ما أوحينا إليك وهو قولهم : قل الله أمرني بذلك ﴿وَإِذاً لاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً﴾ أي لو فعلت ما أرادوا لاتخذوك خليلاً وأظهروا للناس أنك موافق لهم على كونهم وراضٍ بشركهم ثم قال :﴿وَلَوْلاَ أَن ثبتناك﴾ أي على الحق بعصمتنا إياك ﴿لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ﴾ أي تميل إليهم شيئاً قليلاً وقوله :﴿شَيْئاً﴾ عبارة عن المصدر أي ركوناً قليلاً، قال ابن عباس يريد حيث سكت عن جوابهم.
قال قتادة لما نزلت هذه الآية قال النبي ﷺ :

(١) في الأصل حتى تستلم بآلهتنا. واستلم فعل متعدي لا يحتاج إلى جار فلذلك آثرت حذفه، وما بين الأقواس المربعة هنا وفيما يأتي زيادة اقتضاها سياق الكلام وليست في الأصول.


الصفحة التالية
Icon