" اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين " ثم توعده في ذلك أشد التوعد فقال :﴿إِذًا لأذقناك ضِعْفَ الحياة وَضِعْفَ الممات﴾ أي ضعف عذاب الحياة وضعف عذاب الممات يريد عذاب الدنيا وعذاب الآخرة والضعف عبارة عن أن يضم إلى الشيء مثله فإن الرجل إذا قال لوكيله أعط فلاناً شيئاً فأعطاه درهماً فقال أضعفه كان المعنى ضم إلى ذلك الدرهم مثله إذا عرفت هذا فنقول : إنا حسن إضمار العذاب في قوله :﴿ضِعْفَ الحياة وَضِعْفَ الممات﴾ لما تقدم في القرآن من وصف العذاب بالضعف في قوله :﴿رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هذا فَزِدْهُ عَذَاباً ضِعْفاً فِى النار﴾ [ ص : ٦١ ] وقال :﴿لِكُلّ ضِعْفٌ ولكن لاَّ تَعْلَمُونَ﴾ [ الأعراف : ٣٨ ] وحاصل الكلام أنك لو مكنت خواطر الشيطان من قلبك وعقدت على الركون إليه همتك لاستحققت بذلك تضعيف العذاب عليك في الدنيا والآخرة ولصار عذابك مثلي عذاب المشرك في الدنيا ومثلي عذابه في الآخرة والسبب في تضعيف هذا العذاب أن أقسام نعم الله تعالى في حق الأنبياء عليهم السلام أكثر فكانت ذنوبهم أعظم فكانت العقوبة المستحقة عليها أكثر ونظيره قوله تعالى :﴿يانساء النبى مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بفاحشة مُّبَيّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا العذاب ضِعْفَيْنِ﴾ [ الأحزاب : ٣٠ ] فإن قيل قال عليه السلام :" من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة " فموجب هذا الحديث أنه عليه السلام لو رضي بما قالوه لكان وزره مثل وزر كل أحد من أولئك الكفار وعلى هذا التقدير يكون عقابه زائداً على الضعف قلنا إثبات الضعف لا يدل على نفي الزائد عليه إلا بالبناء على دليل الخطاب وهو حجة ضعيفة ثم قال تعالى :﴿ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا﴾ يعني إذا أذقناك العذاب المضاعف لم تجد أحداً يخلصك من عذابنا وعقابنا، والله أعلم.
المسألة الثالثة :