قال القاضي أبو محمد : رضي الله عنه : وهذه الآية، عدد الله تعالى فيها على بني آدم ما خصهم به من بين سائر الحيوان، والحيوان والجن هو الكثير المفضول، والملائكة هم الخارجون عن الكثير المفضول، وحملهم ﴿ في البر والبحر ﴾، مما لا يصلح لحيوان سوى بني آدم أن يكون يحمل بإرادته وقصده وتدبيره ﴿ في البر والبحر ﴾ جميعاً، والرزق ﴿ من الطيبات ﴾، ولا يتسع فيه حيوان اتساع بني آدم، لأنهم يكسبون المال خاصة دون الحيوان، ويلبسون الثياب، ويأكلون المركبات من الأطعمة، وغاية كل حيوان أن يأكل لحماً نياً، أو طعاماً غير مركب، و" الرزق "، كل ما صح الانتفاع به، وحكى الطبري عن جماعة أنهم قالوا :" التفضيل " هو أن يأكل بيديه وسائر الحيوان بالفم، وقال غيره : وأن ينظر من إشراف أكثر من كل حيوان، ويمشي قائماً، ونحو هذا من التفضيل، وهذا كله غير محذق وذلك للحيوان من هذا النوع ما كان يفضل به ابن آدم، كجري الفرس، وسمعه، وإبصاره، وقوة الفيل، وشجاعة الأسد وكرم الديك، وإنما التكريم والتفضيل بالعقل الذي يملك به الحيوان كله، وبه يعرف الله عز وجل، ويفهم كلامه، ويوصل إلى نعيمه، وقالت فرقة : هذه الآية تقضي بفضل الملائكة على الإنس، من حيث هم المستثنون، وقد قال تعالى ﴿ ولا الملائكة المقربون ﴾ [ النساء : ١٧٢ ] وهذا غير لازم من الآية بل التفضيل بين الإنس والجن لم تعن به الآية، بل يحتمل أن الملائكة أفضل، ويحتمل التساوي، وإنما صح تفضيل الملائكة من مواضعٍ أخر من الشرع، وقوله تعالى ﴿ يوم ندعو ﴾ الآية، يحتمل قوله ﴿ يوم ﴾ أن يكون منصوباً على الظرف، والعامل فيه : فعل مضمر تقديره أنكر، أو فعل يدل عليه، قوله ﴿ ولا يظلمون ﴾ تقديره " ولا يظلمون يوم ندعو ". ثم فسره ﴿ يظلمون ﴾ الأخير، ويصح أن يعمل فيه ﴿ وفضلناهم ﴾، وذلك أن فضل البشر يوم القيامة على سائر الحيوان بيّن، لأنهم المنعمون المكلمون


الصفحة التالية
Icon