قال القاضي أبو محمد : والظاهر عندي أن الإشارة ب ﴿ هذه ﴾ إلى الدنيا، أي من كان في دنياه هذه ووقت إدراكه وفهمه أعمى عن النظر في آيات الله، فهو في يوم القيامة أشد حيرة وأعمى، لأنه قد باشر الخيبة، ورأى مخايل العذاب، وبهذا التأويل، تكون معادلة للتي قبلها، من ذكر من يؤتى كتابه بيمينه، وإذا جعلنا قوله ﴿ في الآخرة ﴾ بمعنى في شأن الآخرة، لم تطرد المعادلة بين الآيتين. وقرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر، وحفص عن عاصم :" أعمى " في الموضعين، بغير إمالة، وقرأ حمزة والكسائي وعاصم بخلاف عنه في الموضعين بإمالة، وقرأ أبو عمرو بإمالة الأول وفتح الثاني، وتأوله بمعنى أشد عمى، ولذلك لم يمله، قال أبو علي : لأن الإمالة إنما تحسن في الأواخر، و﴿ أعمى ﴾ ليس كذلك لأن تقديره أعمى من كذا، فليس يتم إلا في قولنا من كذا، فهو إذاً ليس بآخر، ويقوي هذا التأويل قوله عطفاً عليه ﴿ وأضل سبيلاً ﴾ فإنما عطف ﴿ أضل ﴾ الذي هو أفعل من كذا على ما هو شبيه به، وإنما جعله في الآخرة ﴿ أضل سبيلا ﴾، لأن الكافر في الدنيا يمكن أن يؤمن فينجو، وهو في الآخرة، لا يمكنه ذلك، فهو ﴿ أضل سبيلاً ﴾، وأشد حيرة، وأقرب إلى العذاب، وقول سيبويه رحمه الله : لا يقال أعمى من كذا كما يقال ما أبداه، إنما هو في عمى العين الذي لا تفاضل فيه، وأما في عمى القلب فيقال ذلك لأنه يقع فيه التفاضل، وذكر مكي في هذه الآية، أن العمى الأول هو عمى العين عن الهدى وهذا بين الاختلال، والله المعين. أ هـ ﴿المحرر الوجيز حـ ٣ صـ ﴾