لا جرم ( أن ) الأنبياء اجتهدوا في تقليل هذا المرض وحمل الخلق على الشروع في الطاعة والعبودية من أول وقت القيام من النوم مما ينفع في إزالة هذا المرض من الوجه الذي قررناه فوجب أن يكون مشروعاً، والله أعلم بأسرار كلامه.
أما قوله تعالى :﴿وَمِنَ الليل فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ﴾ فاعلم أنه تعالى لما أمر بالصلوات الخمس على سبيل الرمز والإشارة أردفه بالحث على صلاة الليل وفيه مباحث :
البحث الأول : التهجد عبارة عن صلاة الليل فقوله ﴿فتهجد به﴾ أي بالقرآن كما قال :﴿قُمِ الليل إِلاَّ قَلِيلاً﴾ إلى قوله :﴿وَرَتّلِ القرءان تَرْتِيلاً﴾ [ المزمل : ٢- ٤ ].
البحث الثاني : قال الواحدي الهجود في اللغة النوم وهو معروف كثير في الشعر يقال : أهجدته وهجدته أي أنمته ومنه قول لبيد :
هجدنا فقد طال السرى.. كأنه قال : نومنا فإن السرى قد طال علينا حتى غلبنا النوم وروى أبو عبيد عن أبي عبيدة الهاجد النائم والهاجد المصلي بالليل وروى ثعلب عن ابن الأعرابي مثل هذا القول كأنه قال هجد الرجل إذا صلى من الليل وهجد إذا نام بالليل فعند هؤلاء هذا اللفظ من الأضداد وأما الأزهري فإنه توسط في تفسير هذا اللفظ وقال المعروف في كلام العرب أن الهاجد هو النائم ثم رأينا أن في الشرع يقال لمن قام من النوم إلى الصلاة إنه متهجد فوجب أن يحمل هذا على أنه سمي متهجداً لالقائه الهجود عن نفسه كما قيل للعابد متحنث لإلقائه الحنث عن نفسه وهو الإثم.
ويقال فلان رجل متحرج ومتأثم ومتحوب أي يلقي الحرج والإثم والحوب عن نفسه.
وأقول فيه احتمال آخر وهو أن الإنسان إنما يترك لذة النوم ويتحمل مشقة القيام إلى الصلاة ليطيب رقاده وهجوده عند الموت فلما كان غرضه من ترك هذا الهجود أن يصل إلى الهجود اللذيذ عند الموت كان هذا القيام طلباً لذلك الهجود فسمي تهجداً لهذا السبب.


الصفحة التالية
Icon