﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (٨٥) ﴾
اعلم أنه تعالى لما ختم الآية المتقدمة بقوله :﴿كُلٌّ يَعْمَلُ على شَاكِلَتِهِ﴾ وذكرنا أن المراد منه مشاكلة الأرواح للأفعال الصادرة عنها وجب البحث ها هنا عن ماهية الروح وحقيقته فلذلك سألوا عن الروح وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى :
للمفسرين في الروح المذكورة في هذه الآية أقوال أظهرها أن المراد منه الروح الذي هو سبب الحياة، روى أن اليهود قالوا لقريش اسألوا محمداً عن ثلاث فإن أخبركم باثنتين وأمسك عن الثالثة فهو نبي : اسألوه عن أصحاب الكهف وعن ذي القرنين وعن الروح فسألوا رسول الله ﷺ عن هذه الثلاثة فقال عليه السلام : غداً أخبركم ولم يقل إن شاء الله فانقطع عنه الوحي أربعين يوماً ثم نزل الوحي بعده :﴿وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَىْء إِنّى فَاعِلٌ ذلك غَداً إِلاَّ أَن يَشَاء الله﴾ [ الكهف : ٢٣، ٢٤ ] ثم فسر لهم قصة أصحاب الكهف وقصة ذي القرنين وأبهم قصة الروح ونزل فيه قوله تعالى :﴿وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الروح قُلِ الروح مِنْ أَمْرِ رَبّى﴾ وبين أن عقول الخلق قاصرة عن معرفة حقيقة الروح فقال :﴿وَمَا أُوتِيتُم مّن العلم إِلاَّ قَلِيلاً﴾ ومن الناس من طعن في هذه الرواية من وجوه.
أولها : أن الروح ليس أعظم شأناً ولا أعلى مكاناً من الله تعالى فإذا كانت معرفة الله تعالى ممكنة بل حاصلة فأي مانع يمنع من معرفة الروح.
وثانيها : أن اليهود قالوا : إن أجاب عن قصة أصحاب الكهف وقصة ذي القرنين ولم يجب عن الروح فهو نبي وهذا كلام بعيد عن العقل لأن قصة أصحاب الكهف وقصة ذي القرنين ليست إلا حكاية من الحكايات وذكر الحكاية يمتنع أن يكون دليلاً على النبوة وأيضاً فالحكاية التي يذكرها إما أن تعتبر قبل العلم بنبوته أو بعد العلم بنبوته فإن كان قبل العلم بنبوته كذبوه فيها وإن كان بعد العلم بنبوته فحينئذ صارت نبوته معلومة قبل ذلك فلا فائدة في ذكر هذه الحكاية.