وأما المبحث الثاني : فهو أن لفظ الأمر قد جاء بمعنى الفعل قال تعالى :﴿وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ﴾ [ هود : ٩٧ ] وقال :﴿فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا﴾ [ هود : ٦٦ ] أي فعلنا فقوله :﴿قُلِ الروح مِنْ أَمْرِ رَبّى﴾ أي من فعل ربي وهذا الجواب يدل على أنهم سألوه أن الروح قديمة أو حادثة فقال بل هي حادثة وإنما حصلت بفعل الله وتكوينه وإيجاده ثم احتج على حدوث الروح بقوله :﴿وَمَا أُوتِيتُم مّن العلم إِلاَّ قَلِيلاً﴾ يعني أن الأرواح في مبدأ الفطرة تكون خالية عن العلوم والمعارف ثم يحصل فيها العلوم والمعارف فهي لا تزال تكون في التغيير من حال إلى حال وفي التبديل من نقصان إلى كمال والتغيير والتبديل من أمارات الحدوث فقوله :﴿قُلِ الروح مِنْ أَمْرِ رَبّى﴾ يدل على أنهم سألوه أن الروح هل هي حادثة فأجاب بأنها حادثة واقعة بتخليق الله وتكوينه وهو المراد من قوله :﴿قُلِ الروح مِنْ أَمْرِ رَبّى﴾ ثم استدل على حدوث الأرواح بتغيرها من حال إلى حال وهو المراد من قوله :﴿وَمَا أُوتِيتُم مّن العلم إِلاَّ قَلِيلاً﴾ فهذا ما نقوله في هذا الباب، والله أعلم.
المسألة الثانية :
في ذكر سائر الأقوال المقولة في نفس الروح المذكورة في هذه الآية.
اعلم أن الناس ذكروا أقوالاً أخرى سوى ما تقدم ذكره، فالقول الأول : أن المراد من هذا الروح هو القرآن قالوا وذلك لأن الله تعالى سمى القرآن في كثير من الآيات روحاً واللائق بالروح المسؤول عنه في هذا الموضع ليس إلا القرآن فلا بد من تقرير مقامين.