المقام الأول : تسمية الله القرآن بالروح يدل عليه قوله تعالى :﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مّنْ أَمْرِنَا﴾ [ الشورى : ٥٢ ] وقوله :﴿يُنَزّلُ الملائكة بالروح مِنْ أَمْرِهِ﴾ [ النحل : ٢ ] وأيضاً السبب في تسمية القرآن بالروح أن بالقرآن تحصل حياة الأرواح والعقول لأن به تحصل معرفة الله تعالى ومعرفة ملائكته ومعرفة كتبه ورسله والأرواح إنما تحيا بهذه المعارف وتمام تقرير هذا الموضع ذكرناه في تفسير قوله :﴿يُنَزّلُ الملائكة بالروح مِنْ أَمْرِهِ﴾ [ النحل : ٢ ]، وأما بيان المقام الثاني وهو أن الروح اللائق بهذا الموضع هو القرآن لأنه تقدمه قوله :﴿وَنُنَزّلُ مِنَ القرءان مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لّلْمُؤْمِنِينَ﴾ [ الإسراء : ٨٢ ] والذي تأخر عنه قوله :﴿وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بالذى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ﴾ [ الإسراء : ٨٦ ] إلى قوله :﴿قُل لَّئِنِ اجتمعت الإنس والجن على أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هذا القرءان لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾ [ الإسراء : ٨٨ ] فلما كان قبل هذه الآية في وصف القرآن وما بعدها كذلك وجب أيضاً أن يكون المراد من هذا الروح القرآن حتى تكون آيات القرآن كلها متناسبة متناسقة وذلك لأن القوم استعظموا أمر القرآن فسألوا أنه من جنس الشعر أو من جنس الكهانة فأجابهم الله تعالى بأنه ليس من جنس كلام البشر وإنما هو كلام ظهر بأمر الله ووحيه وتنزيله فقال :﴿قُلِ الروح مِنْ أَمْرِ رَبّى﴾ أي القرآن ظهر بأمر ربي وليس من جنس كلام البشر.
والقول الثاني : أن الروح المسؤول عنه في هذه الآية ملك من ملائكة السموات وهو أعظمهم قدراً وقوة وهو المراد من قوله تعالى :