الثاني : روى أبو هريرة قيل يا رسول الله كيف يمشون على وجوههم ؟ قال : إن الذي يمشيهم على أقدامهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم، قال حكماء الإسلام الكفار أرواحهم شديدة التعلق بالدنيا ولذاتها وليس لها تعلق بعالم الأبرار وحضرة الإله سبحانه وتعالى فلما كانت وجوه قلوبهم وأرواحهم متوجهة إلى الدنيا لا جرم كان حشرهم على وجوههم، وأما قوله :﴿عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمّا﴾ فاعلم أن واحداً قال لابن عباس رضي الله عنه : أليس أنه تعالى يقول :﴿وَرَأَى المجرمون النار﴾ [ الكهف : ٥٣ ] وقال :﴿سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً﴾ [ الفرقان : ١٢ ] وقال :﴿دَعَوْاْ هُنَالِكَ ثُبُوراً﴾ [ الفرقان : ١٣ ] وقال :﴿يَوْمَ تَأْتِى كُلُّ نَفْسٍ تجادل عَن نَّفْسِهَا﴾ [ النحل : ١١١ ] وقال حكاية عن الكفار :﴿والله رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ [ الأنعام : ٢٣ ] فثبت بهذه الآيات أنهم يرون ويسمعون ويتكلمون فكيف قال ههنا :﴿عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمّا﴾ أجاب ابن عباس وتلامذته عنه من وجوه.
الأول : قال ابن عباس عمياً لا يرون شيئاً يسرهم صماً لا يسمعون شيئاً يسرهم بكماً لا ينطقون بحجة.
الثاني : قال في رواية عطاء عمياً عن النظر إلى ما جعله الله لأوليائه بكماً عن مخاطبة الله ومخاطبة الملائكة المقربين صماً عن ثناء الله تعالى على أوليائه.
الثالث : قال مقاتل إنه حين يقال لهم :﴿اخسئوا فِيهَا وَلاَ تُكَلّمُونِ﴾ [ المؤمنون : ١٠٨ ] يصيرون عمياً بكماً صماً، أما قبل ذلك فهم يرون ويسمعون وينطقون.
الرابع : أنهم يكونون رائين سامعين ناطقين في الموقف ولولا ذلك لما قدروا على أن يطالعوا كتبهم ولا أن يسمعوا إلزام حجة الله عليهم إلا أنهم إذا أخذوا يذهبون من الموقف إلى النار جعلهم الله عمياً وبكماً وصماً.


الصفحة التالية
Icon