وقال أبو حيان :
﴿ وَمَن يَهْدِ الله ﴾
والظاهر أن قوله :﴿ ومن يهد الله ﴾ إخبار من الله تعالى وليس مندرجاً تحت ﴿ قل ﴾ لقوله ﴿ ونحشرهم ﴾ ويحتمل أن يكون مندرجاً لمجيء ﴿ ومن ﴾ بالواو، ويكون ﴿ ونحشرهم ﴾ إخباراً من الله تعالى.
وعلى القول الأول يكون التفاتاً إذ خرج من الغيبة للتكلم، ولما تقدم دعوة الرسول إلى الإيمان وتحدى بالمعجز الذي آتاه الله، ولجوّا في كفرهم وعنادهم ولم يجد فيهم ما جاء به من الهدى أخبر بأن ذلك كله راجع إلى مشيئته تعالى وأنه هو الهادي وهو المفضل، فسلاه تعالى بذلك وأخبر تعالى على سبيل التهديد لهم والوعيد الصدق لحالهم وقت حشرهم يوم القيامة.
وقال الزمخشري :﴿ ومن يهد الله ﴾ ومن يوفقه ويلطف به ﴿ فهو المهتدي ﴾ لأنه لا يلطف إلاّ بمن عرف أن اللطف ينفع فيه ﴿ ومن يضلل ﴾ ومن يخذل ﴿ فلن تجد لهم أولياء ﴾ أنصاراً انتهى.
وهو على طريقة الأعتزال ومن مفعول بيهد وبيضلل، وحمل على اللفظ في قوله ﴿ فهو المهتدي ﴾ فأفرد ملاحظة لسبيل الهدى وهي واحدة فناسب التوحيد التوحيد، وحمل على المعنى في قوله ﴿ فلن تجد لهم أولياء ﴾ لا على اللفظ ملاحظة لسبيل الضلال فإنها متشعبة متعددة فناسب التشعيب والتعديد الجمع، وهذا من المواضع التي جاء فيها الحمل على المعنى ابتداءً من غير أن يتقدّم الحمل على اللفظ وهي قليلة في القرآن، والظاهر أن قوله ﴿ على وجوههم ﴾ حقيقة كما قال تعالى ﴿ يوم يسحبون في النار على وجوههم ﴾ الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم.
وفي هذا حديث قيل :" يا رسول الله كيف يمشي الكافر على وجهه؟ قال :"أليس الذي أمشاه في الدنيا على رجلين قادراً أن يمشيه في الآخرة على وجهه" " قال قتادة : بلى وعزة ربنا.
وقيل :﴿ على وجوههم ﴾ مجاز يقال للمنصرف عن أمر خائباً مهموماً انصرف على وجهه، ويقال للبعير كأنما يمشي على وجهه.


الصفحة التالية
Icon