" إن الذي أمشاهم على أقدامهم قادرٌ على أن يُمشِيَهم على وجوههم " ﴿ عُمْيًا ﴾ حال من الضمير المجرورِ في الحال السابقة ﴿ وَبُكْمًا وَصُمّا ﴾ لا يُبصِرون ما يُقِرّ أعينَهم ولا ينطِقون ما يُقبل منهم ولا يسمعون ما يُلذّ مسامعَهم لما قد كانوا في الدنيا لا يستبصرون بالآيات والعبرِ ولا ينطِقون بالحق ولا يستمعونه، ويجوز أن يُحشَروا بعد الحسابِ من الموقف إلى النار مُوفَيْ القُوى والحواسّ وأن يحشروا كذلك ثم يعاد إليهم قواهم وحواسُّهم، فإن إدراكاتِهم بهذه المشاعرِ في بعض المواطنِ مما لا ريب فيه ﴿ مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ﴾ إما حالٌ أو استئنافً وكذا قوله تعالى :﴿ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا ﴾ أي كلما سكن لهبُها بأن أكلت جلودَهم ولحومَهم ولم يبق فيهم ما تتعلق به النارُ وتحرِقه زدناهم توقداً بأن بدّلناهم جلوداً غيرَها فعادت ملتهبةً ومستعرةً، ولعل ذلك عقوبةٌ لهم على إنكارهم الإعادةَ بعد الفناءِ بتكريرها مرةً بعد أخرى ليرَوها عِياناً حيث لم يعلموها برهاناً كما يفصح عنه قوله تعالى :﴿ ذلك ﴾ أي ذلك العذابُ ﴿ جَزَاؤُهُم بِأَنَّهُمْ ﴾ أي بسبب أنهم ﴿ كَفَرُواْ بآياتنا ﴾ العقليةِ والنقليةِ الدالةِ على صحة الإعادةِ دَلالةً واضحةً، فذلك مبتدأٌ وجزاؤُهم خبرُه ويجوز أن يكون مبتدأً ثانياً وبأنهم خبرُه، والجملةُ خبراً لذلك وأن يكون جزاؤهم بدلاً من ذلك أو بياناً له والخبرُ هو الظرف ﴿ وَقَالُواْ ﴾ منكرِين أشدَّ الإنكار ﴿ أَءذَا كُنَّا عظاما ورفاتا أَءنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً ﴾ إما مصدرٌ مؤكدٌ من غير لفظِه أي لمبعوثون بعثاً جديداً وإما حالٌ أي مخلوقين مستأنَفين.


الصفحة التالية
Icon