﴿ قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي ﴾ أي : رزقه وسائر نعمه على خلقه :﴿ إِذاً لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ ﴾ أي : لبخلتم بها مخافة نفادها بالإنفاق، مع أنها لا تفرغ ولا تنفد أبداً ؛ لأن هذا من طباعكم وسجاياكم. ولهذا قال سبحانه :﴿ وَكَانَ الإنسَانُ قَتُوراً ﴾ أي : بخيلاً.
تنبيهات :
الأول : هذه الآية بلغت بالمشركين، من الوصف بالشح، الغاية التي لا يبلغها الوهم، كما قاله الزمخشري.
الثاني : ما اقتضاه آخر الآية من بخل كل أحد، فأما بالنسبة إلى الجواد الحقيقي سبحانه ؛ لأن المرء إما ممسك أو منفق. والثاني لا يكون إلا لغرض للعاقل، إما دنيوي كعوض مالي، أو معنوي كثناء جميل أو خدمة واستمتاع، كما في النفقة على الأهل. وما كان لعوض مالي كان مبادلة لا مباذلة. أو هو بالنظر إلى الأغلب، وتنزيل غيره منزلة العدم كما قيل :
~عدنا في زماننا عن حديث المكارم
~من كفى الناس شره فهو في جود حاتم
أفاده الشهاب.
وقال ابن كثير : إن الله تعالى يصف الإنسان من حيث هو، إلا من وفقه الله وهداه، فإن البخل والجزع والهلع صفة له. كما قال تعالى :﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً إِلَّا الْمُصَلِّينَ ﴾ [ المعارج : ١٩ - ٢٢ ] ولهذا نظائر كثيرة في القرآن العزيز.
الثالث : ذكر هذه الآية إثر ما قبلها، لتقرير انفراده تعالى بملك خزائن الرحمة، وسعة كرمه وجوده وإحسانه. كما انفرد بتلك القدرة الباهرة من خلق السماوات والأرض، كي تنجلي لهم قدرته العظمى، وسعة خزائنه الملأى، فيصلوا بذلك إلى اليقين بصحة ما ادعاه الرسول ﷺ، وحقية ما يدعوهم إليه.