وقال ابن عاشور :
﴿ وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ ﴾
يجوز أن تكون الجملة معطوفة على جملة ﴿ وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ﴾ [ الإسراء : ٩٤ ] جمعاً بين المانع الظاهر المعتاد من الهدى وبين المانع الحقيقي وهو حرمان التوفيق من الله تعالى، فمن أصَرّ على الكفر مع وضوح الدليل لذوي العقول فذلك لأن الله تعالى لم يوفقه.
وأسباب الحرمان غضب الله على من لا يُلقِي عقله لتلقي الحق ويتخذُ هواه رائداً له في مواقف الجد.
ويجوز أن تكون الجملة معطوفة على جملة ﴿ قل كفى باللَّه شهيداً بيني وبينكم ﴾ [ الإسراء : ٩٦ ] ارتقاء في التسلية، أي لا يحزنك عدم اهتدائهم فإن الله حرمهم الاهتداء لما أخذوا بالعناد قبل التدبر في حقيقة الرسالة.
والمراد بالهُدى الهدى إلى الإيمان بما جاء به الرسول.
والتعريف في المهتد } تعريف العهد الذهني، فالمعرف مساوٍ للنكرة، فكأنه قيل : فهو مهتدٍ.
وفائدة الإخبار عنه بأنه مهتد التوطئة إلى ذكر مقابله وهو ﴿ ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء ﴾، كما يقال من عَرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا فُلان.
ويجوز أن تجعل التعريف في قوله :﴿ المهتد ﴾ تعريف الجنس فيفيد قصر الهداية على الذي هداه الله قصراً إضافياً، أي دون من تريد أنتَ هداه وأضله الله.
ولا يحتمل أن يكون المعنى على القصر الادعائي الذي هو بمعنى الكمال لأن الهدى المراد هنا هدي واحد وهو الهدي إلى الإيمان.
وحُذفت ياء ﴿ المهتد ﴾ في رسم المصحف لأنهم وقفوا عليها بدون ياء على لغة من يقف على الاسم المنقوص غيرِ المنون بحذف الياء، وهي لغة فصيحة غير جارية على القياس ولكنها أوثرت من جهة التخفيف لثقل صيغة اسم الفاعل مع ثقل حرف العلة في آخر الكلمة.
ورسمت بدون ياء لأن شأن أواخر الكلم أن ترسم بمراعاة حال الوقف.


الصفحة التالية
Icon