ولهذه النكتة سلط فعل زدناهم } على ضمير المشركين للدلالة على أن ازدياد السعير كان فيهم، فكأنه قيل : كلما خبت فيهم زدناهم سعيراً، ولم يقل : زدناها سعيراً.
وعندي : أن معنى الآية جارٍ على طريق التهكّم وبادىء الإطماع المسفر عن خيبة، لأنه جعل ازدياد السعير مقترناً بكل زمان من أزمنة الخبُوّ، كما تفيده كلمة ( كلما ) التي هي بمعنى كل زمان.
وهذا في ظاهره إطماع بحصول خبو لورود لفظ الخبو في الظاهر، ولكنه يؤول إلى يأس منه إذ يدل على دوام سعيرها في كل الأزمان، لاقتران ازدياد سعيرها بكل أزمان خبوها.
فهذا الكلام من قبيل التمليح، وهو من قبيل قوله تعالى :﴿ ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط ﴾ [ الأعراف : ٤٠ ]، وقول إياس القاضي للخصم الذي سأله : على من قَضيت؟ فقال : على ابن أخت خالك.
﴿ ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (٩٨) ﴾
استئناف بياني لأن العقاب الفظيع المحكي يثير في نفوس السامعين السؤال عن سبب تركب هذه الهيئة من تلك الصورة المفظعة، فالجواب بأن ذلك بِسبب الكفر بالآيات وإنكار المعاد.
فالإشارة إلى ما تقدم من قوله :﴿ ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم ﴾ [ الإسراء : ٩٧ ] إلى آخر الآية بتأويل : المذكور.
والجزاء : العوض عن عمل.
والباء في بأنهم كفروا } للسببية.
والظاهر أن جملة ﴿ وقالوا أإذا كنا عظاما ﴾ الخ.
عطف على جملة ﴿ بأنهم كفروا ﴾.
فذكر وجه اجتماع تلك العقوبات لهم، وذُكر سببان:
أحدهما : الكفر بالآيات ويندرج فيه صنوف من الجرائم تفصيلاً وجمعاً تناسبها العقوبة التي في قوله :﴿ ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم ﴾ [ الإسراء : ٩٧ ].