الصفة الثانية : أنه تعالى إنما خلقها لتدل على صدق موسى في دعوة النبوة، وهذا هو المراد من قوله :﴿مَا أَنزَلَ هَؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السموات والأرض﴾ حال كونها بصائر أي دالة على صدق موسى في دعواه وهذه الدقائق لا يمكن فهمها من القرآن إلا بعد إتقان علم الأصول وأقول يبعد أن يصير غير علم الأصول العقلي قاهراً في تفسير كلام الله ثم حكى تعالى أن موسى قال لفرعون :﴿إِنّى لأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا﴾ [ الإسراء : ١٠٣ ] واعلم أن فرعون قال لموسى :﴿وَإِنّى لأَظُنُّكَ يا موسى مَّسْحُورًا﴾ فعارضه موسى وقال له :﴿وَإِنّى لأَظُنُّكَ يافرعون مَثْبُورًا﴾ قال الفراء : المثبور الملعون المحبوس عن الخير والعرب تقول ما ثبرك عن هذا أي ما منعك منه وما صرفك، وقال أبو زيد : يقال ثبرت فلاناً عن الشيء أثبره أي رددته عنه، وقال مجاهد وقتادة هالكاً، وقال الزجاج : يقال ثبر الرجل فهو مثبور إذا هلك، والثبور الهلاك، ومن معروف الكلام فلان يدعو بالويل والثبور عند مصيبة تناله، وقال تعالى :﴿دَعَوْاْ هُنَالِكَ ثُبُوراً * لاَّ تَدْعُواْ اليوم ثُبُوراً واحدا وادعوا ثُبُوراً كَثِيراً﴾ [ الفرقان : ١٣، ١٤ ] واعلم أن فرعون لما وصف موسى بكونه مسحوراً أجابه موسى بأنك مثبور يعني هذه الآيات ظاهرة، وهذه المعجزات قاهرة ولا يرتاب العاقل في أنها من عند الله وفي أنه تعالى إنما أظهرها لأجل تصديقي وأنت تنكرها فلا يحملك على هذا الإنكار إلا الحسد والعناد والغي والجهل وحب الدنيا ومن كان كذلك كانت عاقبته الدمار والثبور.


الصفحة التالية
Icon