وقال أبو عبد الله الرازي : فسل ﴿ بني إسرائيل ﴾ اعتراض في الكلام والتقدير، ﴿ ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات ﴾ إذ جاء ﴿ بني إسرائيل ﴾ فسلهم وليس المطلوب من سؤال بني إسرائيل أن يستفيد هذا العلم منهم، بل المقصود أن يظهر لعامة اليهود صدق ما ذكره الرسول عليه السلام، فيكون هذا السؤال سؤال استشهاد انتهى.
وعلى قراءة فسأل ماضياً وقدره فسأل فرعون ﴿ بني إسرائيل ﴾ يكون المفعول الأول لسأل محذوفاً، والثاني هو ﴿ بني إسرائيل ﴾ وجاز أن يكون من الأعمال لأنه توارد على فرعون سأل وفقال فأعمل، الثاني على ما هو أرجح.
والظاهر أن قوله ﴿ مسحوراً ﴾ اسم مفعول أي قد سحرت بكلامك هذا مختل وما يأتي به غير مستقيم وهذا خطاب بنقيض.
وقال الفراء والطبري : مفعول بمعنى فاعل أي ساحراً، فهذه العجائب التي يأتي بها من أمر السحر، وقالوا : مفعول بمعنى فاعل مشؤوم وميمون وإنما هو شائم ويامن.
وقرأ الجمهور :﴿ لقد علمت ﴾ بفتح التاء على خطاب موسى لفرعون وتبكيته في قوله عنه أنه مسحور أي لقد علمت أن ما جئت به ليس من باب السحر، ولا أني خدعت في عقلي، بل علمت أنه ما أنزلها إلاّ الله، وما أحسن ما جاء به من إسناد إنزالها إلى لفظ ﴿ رب السموات والأرض ﴾ إذ هو لما سأله فرعون في أول محاورته فقال له : وما رب العالمين قال :﴿ رب السموات والأرض ﴾ ينبهه على نقصه وأنه لا تصرّف له في الوجود فدعواه الربوبية دعوى استحالة، فبكتَّه وأعلمه أنه يعلم آيات الله ومن أنزلها ولكنه مكابر معاند كقوله
﴿ وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً ﴾ وخاطبه بذلك على سبيل التوبيخ أي أنت بحال من يعلم هذا وهي من الوضوح بحيث تعلمها وليس خطابه على جهة إخباره عن علمه.
وقرأ عليّ بن أبي طالب وزيد بن عليّ والكسائي ﴿ علمت ﴾ بضم التاء أخبر موسى عن نفسه أنه ليس بمسحور كما وصفه فرعون، بل هو يعلم أن ﴿ ما أنزل هؤلاء ﴾ الآيات إلاّ الله.


الصفحة التالية
Icon