ولما تمت هذه الجمل على هذا الوجه الجميل، والوصف الجليل، نبه على ذلك سبحانه بقوله عطفاً على نحو : صرفنا هذه الأمثال كما ترون على أعلى منهاج وأبلغ سياق في أبدع انتظام :﴿ولقد صرفنا﴾ أي رددنا وكررنا تكريراً كثيراً بما لنا من العظمة، ولما كان مبنى السورة على بيان العناية بالناس الذين اتقوا والذين هم محسنون، اقتضى المقام لمزيد الاهتمام تقديم قوله تعالى :﴿للناس﴾ أي الذين هم ناس ﴿في هذا القرءان﴾ الهادي للتي هي أقوم ﴿من كل مثل﴾ أي من كل ما هو في غرابته وسيره في أقطار الأرض وبلاغته ووضوحه ورشاقته كالمثل الذي يجب الاعتبار به ؛ والتصريف : تصيير المعنى دائراً في الجهات المختلفة بالإضافة والصفة والصلة ونحو ذلك ﴿فأبى﴾ أي فتسبب عن ذلك الذي هو سبب للشفاء والشكر والهدى، تصديقاً لقولنا ﴿ولا يزيد الظالمين إلا خساراً﴾ أنه أبى ﴿أكثر الناس﴾ وهم من هم في صورة الناس وقد سلبوا معانيهم.
ولما كان " أبى " متأولاً بمعنى النفي، فكان المعنى : فلم يرضوا مع الكبر والشماخة، استقبله بأداة الاستثناء فقال تعالى :﴿إلا كفوراً﴾ لما لهم من الاضطراب.