البحث الثاني : قال سعيد بن جيبر نزل القرآن كله ليلة القدر من السماء العليا إلى السماء السفلى، ثم فصل في السنين التي نزل فيها، قال قتادة : كان بين أوله وآخره عشرون سنة والمعنى قطعناه آية آية وسورة سورة ولم ننزله جملة لتقرأه على الناس على مكث بالفتح والضم على مهل وتؤدة أي لا على فورة.
قال الفراء : يقال مكث ومكث يمكث، والفتح قراءة عاصم في قوله :﴿فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ﴾ [ النمل : ٢٢ ].
البحث الثالثة : الاختيار عند الأئمة فرقناه بالتخفيف وفسره أبو عمرو بيناه قال أبو عبيد : التخفيف أعجب إلي لأن تفسيره بيناه ومن قرأ بالتشديد لم يكن له معنى إلا أنه أنزل متفرقاً فالفرق يتضمن التبيين ويؤكده ما روى ثعلب عن ابن الأعرابي أنه قال : فرقت أفرق بين الكلام وفرقت بين الأجسام ويدل عليه أيضاً قوله ﷺ :" البيعان بالخيار ما لم يتفرقا " ولم يقل يفترقا والتفرق مطاوع التفريق والافتراق مطاوع الفرق ثم قال :﴿ونزلناه تَنْزِيلاً﴾ أي على الحد المذكور والصفة المذكورة ثم قال :﴿قُلْ ءامِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ﴾ يخاطب الذين اقترحوا تلك المعجزات العظيمة على وجه التهديد والإنكار أي إنه تعالى أوضح البينات والدلائل وأزاح الأعذار فاختاروا ما تريدون ثم قال تعالى :﴿إِنَّ الذين أُوتُواْ العلم مِن قَبْلِهِ﴾ أي من قبل نزول القرآن قال مجاهد : هم ناس من أهل الكتاب حين سمعوا ما أنزل على محمد ﷺ خروا سجداً منهم زيد بن عمرو بن نفيل وورقة بن نوفل وعبد الله بن سلام ثم قال :﴿يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا﴾ وفيه أقوال : القول الأول : قال الزجاج : الذقن مجمع اللحيين وكلما يبتدىء الإنسان بالخرور إلى السجود فأقرب الأشياء من الجبهة إلى الأرض الذقن.