وهذا الاعتدال وهذه الوسطية أُمِرْنَا بها حتى في الدعاء، كما جاء في قوله تعالى:﴿ وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ ﴾[الأعراف: ٢٠٥]
فكلمة: } بَيْنَ ذالِكَ.. ﴿ [الإسراء: ١١٠] البينية هذه تكاد تشيع في كل أحكام الدين ؛ لأن القرآن جاء لأمة وسط بالأمور الوسط في كل شئون الحياة، ففي قمة المسائل وهي الأمور العَقَدية مثلاً يقف الإسلام موقفَ الوسطية بين مَنْ يُنكِرون وجود الإله ومن يقول بآلهة متعددة، فينفي هذه وهذه ويقول بوجود إله واحد أحد لا شريكَ له.
وفي الإنفاق يختار الوسط، فيقول:{ وَالَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً ﴾

[الفرقان: ٦٧]
وبذلك ضمن لأهله نظاماً اقتصادياً ناجحاً يُثري حياة الجماعة، ويَرْقَى بحياة الفرد، وقد لخّص هذا المنهج الاقتصادي في قوله تعالى:﴿ وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً ﴾[الإسراء: ٢٩] فالممسك المقتّر الذي يقبض يده على الإنفاق يتسبّب في رُكود البضائع وتوقف حركة الحياة، وهذا خطر على المجتمع، وفي التبذير خطر على الفرد حيث ينفق كل مَا معه، ولا يُبقي على شيء يرتقي به في الحياة، فإذا لم تتبع هذا المنهج الحكيم فسوف تقعد ملوماً على الإمساك، محسوراً على التبذير الذي فوّتَ عليك فرصة الترقِّي مثل الآخرين.
ثم يقول الحق سبحانه: ﴿ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَم يَكُنْ لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً ﴾.


الصفحة التالية
Icon