عليهم وتتبع طرفك حسرات عليهم لتباعدهم عنك، شبهه وإياهم برجل فارق أحبته فصار يساقط الدموع على آثارهم وأطلال ديارهم وجدا عليهم وتلهّفا على فراقهم، راجع الآية الثانية من سورة الشعراء في ج ١، وهنا كأنه يشير إلى ما جاء آخر السورة امارة من قوله (إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ) وهو وجه المناسبة بمجيئها بعدها، وقد أبان اللّه تعالى سبب تأسفه
وتأوهه عليهم بقوله "إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ"
الجليل الشأن أي القرآن المعبر عنه بصدر السورة بالكتاب ووصفه بالحديث بالنسبة لما نتلوه نحن لأن تلاوتنا له حادثة وهو قديم منزه عن الحدوث، راجع بحث خلق القرآن بالمقدمة "أَسَفاً" ٦ مفعول لأجله أي أنك قاتل نفسك لأجل التأسف عليهم لعدم إيمانهم، فلما ذا يكون منك هذا ؟ أخرج ابن مردويه عن ابن عباس : أن عتبة وشيبة ابني ربيعة وأبا جهل والنضر بن الحارث وأمية بن خلف والعاص بن وائل والأسود بن المطلب وأبا البحتري، في نفر من قريش اجتمعوا (على خلاف رسول اللّه ومناوأته) وكان صلّى اللّه عليه وسلم قد كبر عليه ما يرى من خلافهم إياه وإنكارهم ما جاء به من الهدى فأهمه ذلك وأغمه، فأنزل اللّه هذه الآية يسليه بها.
وقال بعض المفسّرين إن معنى باخع قاتل والقتل والإهلاك شيء واحد، قال ابن الأزرق :
لعلك يوما إن فقدت مزارها على بعده يوما لنفسك باخع
أي مهلك.
وقال الفرزدق :
ألا أيهذا الباخع الوجد نفسه لشيء نحّته عن يديه المقادر
أي القاتل.