قال تعالى "وَاضْرِبْ" يا سيد الرسل "لَهُمْ" لقومك على صحة البعث "مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ" من كل صنف ونوع وجنس ولون وشكل كان ملتفا بعضه على ببعض متكاثفا زاهيا رابيا تهتز به الأرض ابتهاجا وحسنا "فَأَصْبَحَ" بعد ذلك "هَشِيماً" يابسا مفتتا "تَذْرُوهُ الرِّياحُ" واعلم أن كلمتي تذروه والذاريات لم تكررا في القرآن، أي تنسفه يمينا وشمالا "وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً" ٤٥ ضرب اللّه تعالى هذا المثل يشبه به حال الدنيا في نضرتها وزينتها وما يطرأ عليها من الهلاك والفناء بالنبات في الأرض يخضر ويزهو ثم ييبس ويتكسر فتطيره الرياح ثم يحييه اللّه تعالى بالمطر فيعود كما كان كأن لم يطرأ عليه شيء، وهكذا الخلق ينشأ من الماء أيضا فيكثرون ويتباهون بالأموال والأولاد والرياسة والجاه ثم يموتون ثم يحييهم اللّه تعالى كما كانوا، ثم يعاملون بمثل أعمالهم، فيحيا حياة طيبة دائمة من حيّ على بينة ويهلك هلاكا قبيحا دائما من هلك على بينة.
ونظير هذه الآية في المعنى الآية ٣٤ من سورة يونس المارة.
قال تعالى "الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا" يتفاخر بها أهلها "وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ" زينة الحياة الآخرة وهذه "خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً" من زينة الدنيا "وَخَيْرٌ أَمَلًا" ٤٦ ممّا يؤمله الإنسان من جميع خيرات الدنيا لعظيم جزائها عند اللّه، وهو نائلكم حقا، لأن وعد اللّه بها صادق، وأكثر آمال الدنيا كاذبة قد لا ينالها الإنسان، روى مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم لأن أقول سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلا اللّه واللّه أكبر أحبّ إليّ مما طلعت عليه الشمس.
وأخرج مالك في الموطأ أن هذه الكلمات هي الباقيات الصالحات، والحقيقة أنها كل عمل صالح.


الصفحة التالية
Icon