وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نبَأَهُم بالحق ﴾
لما اقتضى قوله تعالى :﴿ لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ أحصى ﴾ اختلافاً وقع في أمد الفتية، عقّب بالخبر عن أنه عز وجل يعلم من أمرهم بالحق الذي وقع.
وقوله تعالى :﴿ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ ﴾ أي شباب وأحداث حكم لهم بالفتوّة حين آمنوا بلا واسطة ؛ كذلك قال أهل اللسان : رأس الفتوّة الإيمان.
وقال الجنيد : الفتوّة بذل النَّدى وكفُّ الأذى وترك الشكوى.
وقيل : الفتوّة اجتناب المحارم واستعجال المكارم.
وقيل غير هذا.
وهذا القول حسن جداً ؛ لأنه يعمّ بالمعنى جميع ما قيل في الفتوّة.
قوله تعالى :﴿ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ﴾ أي يسّرناهم للعمل الصالح ؛ من الانقطاع إلى الله تعالى، ومباعدة الناس، والزهد في الدنيا.
وهذه زيادة على الإيمان.
وقال السُّدِّي : زادهم هُدًى بكلب الراعي حين طردوه ورجموه مخافة أن ينبح عليهم وينبّه بهم ؛ فرفع الكلب يديه إلى السماء كالداعي فأنطقه الله، فقال : يا قوم! لِمَ تطردونني، لم ترجمونني! لم تضربونني! فوالله لقد عرفت الله قبل أن تعرفوه بأربعين سنة ؛ فزادهم الله بذلك هُدًى.
قوله تعالى :﴿ وَرَبَطْنَا على قُلُوبِهِمْ ﴾
عبارة عن شدّة عزم وقوّة صبرٍ، أعطاها الله لهم حتى قالوا بين يدي الكفار :﴿ رَبُّنَا رَبُّ السماوات والأرض لَن نَّدْعُوَاْ مِن دُونِهِ إلها لَّقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً ﴾.
ولما كان الفزع وخَوَر النفس يشبه بالتناسب الانحلال حسن في شدة النفس وقوة التصميم أن يشبه الربط ؛ ومنه يقال : فلان رابط الجأش، إذا كان لا تفرق نفسه عند الفزع والحرب وغيرها.
ومنه الرّبط على قلب أمّ موسى.
وقوله تعالى :﴿ وَلِيَرْبِطَ على قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأقدام ﴾ [ الأنفال : ١١ ] وتقدّم.
قوله تعالى :﴿ إِذْ قَامُواْ فَقَالُواْ ﴾ فيه مسألتان :