فصل
قال الفخر :
وأما قوله تعالى :﴿وَلَبِثُواْ فِى كَهْفِهِمْ مِئَةٍ سِنِينَ وازدادوا تِسْعًا * قُلِ الله أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ لَهُ غَيْبُ السماوات والأرض أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُم مّن دُونِهِ مِن وَلِىّ وَلاَ يُشْرِكُ فِى حُكْمِهِ أَحَدًا﴾ فاعلم أن هذه الآية آخر الآيات المذكورة في قصة أصحاب الكهف وفي قوله :﴿وَلَبِثُواْ فِى كَهْفِهِمْ﴾ قولان : الأول : أن هذا حكاية كلام القوم والدليل عليه أنه تعالى قال :﴿سَيَقُولُونَ ثلاثة رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ﴾ وكذا إلى أن قال :﴿وَلَبِثُواْ فِى كَهْفِهِمْ﴾ أي أن أولئك الأقوام قالوا ذلك ويؤكده أنه تعالى قال بعده :﴿قُلِ الله أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ﴾ وهذا يشبه الرد على الكلام المذكور قبله ويؤكده أيضاً ما روي في مصحف عبد الله : وقالوا ولبثوا في كهفهم.
والقول الثاني : أن قوله :﴿وَلَبِثُواْ فِى كَهْفِهِمْ﴾ هو كلام الله تعالى فإنه أخبر عن كمية تلك المدة، وأما قوله :﴿سَيَقُولُونَ ثلاثة رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ﴾ فهو كلام قد تقدم وقد تخلل بينه وبين هذه الآية ما يوجب انقطاع أحدهما عن الآخر وهو قوله :﴿فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَآء ظاهرا﴾ وقوله :﴿قُلِ الله أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ لَهُ غَيْبُ السموات والأرض﴾ لا يوجب أن ما قبله حكاية، وذلك لأنه تعالى أراد :﴿قُلِ الله أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ لَهُ غَيْبُ السموات والأرض﴾ فارجعوا إلى خبر الله دون ما يقوله أهل الكتاب.
المسألة الثانية :
قرأ حمزة والكسائي ثلثمائة سنين بغير تنوين والباقون بالتنوين وذلك لأن قوله :﴿سِنِينَ﴾ عطف بيان لقوله :﴿ثلثمائة﴾ لأنه لما قال :﴿وَلَبِثُواْ فِى كَهْفِهِمْ﴾ لم يعرف أنها أيام أم شهور أم سنون فلما قال سنين صار هذا بياناً لقوله :﴿ثلثمائة﴾ فكان هذا عطف بيان له وقيل هو على التقديم والتأخير أي لبثوا سنين ثلثمائة.