قوله :﴿وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا واتبع هَوَاهُ﴾ يدل على أن شر أحوال الإنسان أن يكون قلبه خالياً عن ذكر الحق ويكون مملوءاً من الهوى الداعي إلى الاشتغال بالخلق وتحقيق القول أن ذكر الله نور وذكر غيره ظلمة لأن الوجود طبيعة النور والعدم منبع الظلمة، والحق تعالى واجب الوجود لذاته فكان النور الحق هو الله، وما سوى الله فهو ممكن الوجود لذاته.
والإمكان طبيعة عدمية فكان منبع الظلمة فالقلب إذا أشرق فيه ذكر الله فقد حصل فيه النور والضوء والإشراق، وإذا توجه القلب إلى الخلق فقد حصل فيه الظلم والظلمة بل الظلمات، فلهذا السبب إذا أعرض القلب عن الحق وأقبل على الخلق فهو الظلمة الخالصة التامة، فالإعراض عن الحق هو المراد بقوله :﴿أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا﴾ والإقبال على الخلق هو المراد بقوله :﴿واتبع هَوَاهُ ﴾.
المسألة الثالثة :
قيل :﴿فُرُطًا﴾ أي مجاوزاً للحد من قولهم : فرس فرط، إذا كان متقدماً الخيل، قال الليث : الفرط الأمر الذي يفرط فيه يقال كل أمر فلان فرط، وأنشد شعراً :
لقد كلفني شططا.. وأمراً خائباً فرطا
أي مضيعاً، فقوله وكان أمره فرطاً معناه أن الأمر الذي يلزمه الحفظ له والاهتمام به وهو أمر دينه يكون مخصوصاً بإيقاع التفريط والتقصير فيه، وهذه الحالة صفة من لا ينظر لدينه وإنما عمله لدنياه.


الصفحة التالية
Icon