على أظهر الوجهين في خبر " إن " اولى في البيت. وعلى هذا فلاجواب عن السؤال الثاني من وجهين :
الأول - أن الضمير الراب محذوف، تقديره : لا تضيع أجر من أحسن منهم عملاً : كقولهم : السمن منوان بدرهم، أي منوان منه بدرهم، كما تقدم في قوله تعالى :﴿ والذين يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ﴾ [ البقرة : ٢٣٤ ] الآية. أي يتربص بعدهم.
الوجه الثاني - أن من ﴿ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً ﴾ هو الذين آمنوا وعملوا الصالحات. وإذا كان الذين آمنوا، ومن أحسن عملاً ينظمها معنى واحد قام ذلك مقام الربط بالضمير. وهذا مذهب الأخفش، وهو الصواب. لأن الربط حاصل بالاتحاد في المعنى.
﴿ أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ ﴾
بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة أجر من أحسن عملاً، فذكر أنه جنات عدن تجري من تحتهم فيها الأنهار، ويجولن فيها أساور الذهب، ويلبسون فيها الثيا الخضر من السندس والاستبرق، في حال كونهم متكئين فيها على الآرائك وهي السرر في الحجال والحجال : جمع حجلة وهو بيت يزين للعروس بجميع أنواع الزينة. ثم أثنى على ثوابهم بقوله :﴿ نِعْمَ الثواب وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً ﴾ : وهذا الذي بينه هنا من صفات جزاء المحسنين الذين آمنوا وعملو الصالحات - جاء مبيناً في مواضع كثيرة جداً من كتاب الله تعالى، وكقوله تعالى في سورة " الإنسان " :﴿ إِنَّ الأبرار يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً ﴾ [ الإنسان : ٥ ] - إلى قوله - ﴿ وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً ﴾ [ الإنسان : ٢٢ ] وكقوله في سورة " الواقعة "، ﴿ والسابقون السابقون أولئك المقربون فِي جَنَّاتِ النعيم ﴾ [ الواقعة : ١٠-١٢ ] إلى قوله ﴿ لاًّصْحَابِ اليمين ﴾ [ الواقعة : ٣٨ ] وأمثال ذلك كثيرة في القرآن :


الصفحة التالية
Icon